رئيس التحرير
عصام كامل

«فيتو» ترصد مخاطر شبكة الضغط العالي.. محطة أوسيم قنبلة موقوتة تهدد الأهالي.. تحصد أرواح 10 مواطنين وتحولهم لجثث متفحمة.. الأطفال يحولون الأبراج لمراجيح.. ودراسة لتحويلها لشبكة أرضية

فيتو

أخطار أبراج الضغط العالي لا تنتهي رغم أن الدولة حرصت على إقامة وحدات الضغط العالي على أراض خلاء بعيدة عن العمران السكني؛ حفاظا على المواطنين، وفقا للاشتراطات الخاصة بالبناء، إلا أن المعتدين على أراضي الدولة وهم كثيرون زحفوا إلى هذه المناطق لشيدوا الأبراج مستغلين حاجة الناس للسكن، تم توصيل المرافق لهذه الأبراج بصورة أو بأخرى، والنتيجة خسارة للجميع.


ففي أحد مراكز محافظة الجيزة «أوسيم» سلطنا الضوء على ما تحمله أبراج الضغط العالي من مشكلات تودي بحياة المواطنين واحدا تلو الآخر ومن لم يمت يصاب بأمراض خطيرة نتيجة سكنه بالقرب من هذه الشبكة العنكبوتية، التي تحيط بالمنازل من كل الاتجاهات بقرية سقيل بمنطقة السك الحديد، فضلا عن وجود المحطة ذاتها التي تحولت لبركة مستنقعات من قمامة ومياه، حتى أصبحت قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة، فضلا عن شركة الكهرباء ذاتها التي تقع في الجانب الأمامي من المحطة.


مصدر للحياة وسبب في الموت
شبكة من أبراج الضغط العالي، تمر في الشوارع وفوق أسطح المنازل تهدد حياة ملايين المواطنين في قرية سقيل التابعة لمركز أوسيم، تصطاد ضحاياها بين الحين والآخر، تصيب الأجنة بتشوهات، والأطفال بالأمراض، وتشعل الحرائق، آلاف القصص يرويها ما يقرب من خمسة آلاف مواطن يقيمون وسط هذه الشبكة العنكبوتية التي تحضنهم بنيرانها التي التهمت الكثير منهم من لقي مصرعه صعقًا عندما صعقه سلك عار، وآخر وقع في مجال كهرومغناطيسي سببته أبراج الضغط العالي، وأطفال أصيبوا بتشوهات وأمراض خطيرة نتيجة الذبذبات التي تنتجها المحولات المنتشرة وسط المنازل.


ينتظرون الموت
«فيتو» انتقلت لأهالي هذه القرية وخاصة المقيمين وسط هذه الأبراج بمنطقة السكة الحديد، فأغلب المنازل تحتضن كابلات الكهرباء، وارتفاعها لا يتعدى الدور الواحد بشكل يهددهم، ولا حل أمامهم سوى الابتعاد عنها وبالأخص عند سقوط الأمطار، حيث تحوطهم الكابلات من كافة الاتجاهات حتى حولت حياتهم إلى جحيم، وجعلهم ينتظرون الموت من حين لآخر، بعدما باءت محاولاتهم بالفشل في الوصول للمسؤولين الذين تقدموا بهم بشكاوى دون مجيب.

وأشاروا إلى أنهم يبحثون عمن ينجيهم من كهرباء الضغط العالي، التي تصدر أصواتا أشبه بـ«القنابل»، مما يتسبب في هلع وفزع أطفالهم يوميا.

أصبح جميع سكان هذه القرية من المقيمين أسفل هذه الشبكة العنكبوتية من الأطفال والسيدات والرجال، يؤكدون أنهم يعيشون حالة من القلق بسبب أسلاك الضغط العالي التي تحيط مساكنهم مطالبين المسئولين بسرعة البدء برفع الخطر حفاظا على أرواحهم.

الضحايا.. وشتاء الموت
منذ أشهر قليلة تسببت أسلاك الضغط العالي الواقعة بمنطقة السكة الحديد بقرية سقيل في مقتل «أشرف» الضحية العاشرة في غضون عامين، عريس جديد يعول أسرته المكونة من أب وأم وزوجة، وكان ينتظر طفلة ولدت عقب وفاته.

ويقول جاره أحمد عشري إنهم سمعوا صوتا يشبه صوت انفجار القنبلة، فهرعوا إلى الخارج، وباستطلاع الأمر، شاهدوا جارهم أشرف تشتعل به النيران وبمنزله، فأسرعوا بإبلاغ الإطفاء وشركة الكهرباء التي تقع بالقرب منهم، ولكن لم تتمكن من إنقاذه؛ لأن كهرباء الضغط العالي كانت لا تزال مؤثرة، وأي شخص يقترب من المكان يصعق بالكهرباء، كما حدث مع أحد رجال الإطفاء الذي توفي عقب محاولته إنقاذ آخر توفي في حادث مماثل.

وأوضح أن المتوفى ظل يصارع الموت أمام أعين الجميع حتى أسرته، ولم يتمكن أحد من إنقاذه حتى تم فصل التيار الكهرباء عن البرج من قبل شركة الكهرباء، بعدما أخذ موافقة وزير الكهرباء بعد ساعات، كانت فيها النيران تلتهم جسد أشرف والمنازل المجاورة، ولم يتمكن أحد من إنقاذ شيء، مشيرا إلى أنه وقت الحادث كل ما فعلوه أنهم خرجوا بعيدا حتى تم فصل التيار الكهرباء بعد أخذ موافقة وزير الكهرباء، وبعدها دخلت وتم العثور على الشاب جسده محترق تماما.

وأكد أحمد أبو عارفة أنه بعد ذلك تبين لهم أن الشاب صعقته كهرباء الضغط العالي أثناء إصلاحه الدش الكائن أعلى منزله، وحينها التهمته كهرباء الضغط العالي التي كان يبعد عنها بضعة أمتار، حيث حدث ماس كهربائي في محول الضغط القريب من منزله، ما أشعل النار في منزله وجسده، بينما أكدت أم أميرة أن «الراجل اتحرق خالص بعد ما صُعق من أسلاك الضغط العالي؛ لأن بيته كان تحت محطة ضغط عالي، لما حصل ماس البيت كله اتحرق». وامتدت النيران ملتهمة بعض المنازل المجاور غير الخسائر التي لحقت بأجهزة المنازل الأخرى.

وقالت «منى على» عن أحد الضحايا التي حصدتهم كابلات الكهرباء، «كريم» كان يلهو فوق سطح منزله وفجأة تحول لجثة محترقة بعدما صعقته الكهرباء، حينما كان يلعب بماسورة حديدية صغيرة، أمسكها وراح يجوب بها السطح، وقعت عيناه على أسلاك الضغط العالي القريبة من السطح، ببراءة الأطفال اقترب منها، وبعد عدة محاولات ضرب الأسلاك بالماسورة.. في أقل من ثانية حدث ما يشبه الانفجار الهائل، وتصاعدت ألسنة اللهب في المنطقة ما أصابنا جميعا بالفزع والذعر.

وعلى جانب آخر، قالت شادية إحدى ربة منزل، إنهم مع قدوم فصل الشتاء يزداد الخوف بين الأهالي، خاصة أن الموت يحصد الكثير منهم وخاصة الأطفال، قائلة إنه في الشتاء الماضي توفي بعض الأطفال، ومنهم رامي 10 سنوات تلميذ بالصف الابتدائي، وتشوه كريم نتيجة الصعق بالكهرباء لملامسة العمود بعد هطول الأمطار.


غياب عمليات الإحلال والتجديد
وتقول نادية حسن 22 سنة، ربة منزل، وإحدى سكان المنطقة، إن أسلاك وكابلات الكهرباء لا يفصلها عن المنزل سوى مترين، وقريبة من شرفة المنزل، حتى إنهم يضطرون لتهوية الغسيل بالأدوار العليا خشية الصعق بالكهرباء من قبل الضغط العالي، ووسط كل ذلك وأثناء تجولنا شاهدنا الأطفال لا يعون خطورة تلك الكابلات، وبعضهم يلعب ويلهو بالقرب من الكابلات المكشوفة وأعمدة البرج التي يقيدون بها الحبال ويتمرجحون عليها وكأنها مراجيح "مولد النبي".

وعلى جانب الآخر، يقول محمد عرفان أحد قاطني المنطقة «قمنا بانتخاب نواب جدد وكان أهم مطالبنا هي إزالة برج الضغط العالي من أعلى منازلنا واستبدالها بكابلات أرضية، وللأسف دون جدوى، وكلما تقدمنا بشكوى للوحدة المحلية، وجدنا مجلس المدينة يرد علينا بأن تلك الأمور هي من اختصاص الشركة القابضة».


مصائد الموت
ويحكي «على» موظف وأحد سكان المنطقة قائلا، إننا نعيش وسط مصائد الموت بالقرب من كابلات ضغط العالي، التي تواجدت منذ 50 عاما، إذ نزحنا إليها وعشنا فيها وقمنا ببناء منازلنا لرخص سعر المتر فيها، دون أن يعترضنا أحد من المسؤولين بمجلس المدنية الذين وعدوا بأنهم سيقومون بإزالة هذه الأبراج إلى أن مرت الأيام دون جدوى، وسط استمرار الهيئات الخدمية في تحصيل خدمات من كهرباء وتليفونات ومياه مقابل هذه الخدمات دون الاهتمام بأرواحنا التي أصبحت عرضة للموت بين الحين والآخر.

أسعار رخيصة
ويحكي عبد الحميد «موظف»، أن سعر المتر تحت أبراج الضغط أسعارها رخيصة، وهو ما تسبب في السكن هناك، والكهرباء هناك بالمحاضر؛ لأنه ممنوع البناء، ولكن كل فترة تأتي لنا غرامة كهرباء بقيمة ما تم استهلاكه، ولا بد من دفعها وإلا السجن، وطالبنا مسئولي الحي بإزالة الكابل ولكنهم أكدوا أن الأزمة أزمتنا؛ لأننا من قمنا بالسكن بجواره.


شبح الموت
ويقول ماهر مجدي: إن أسلاك الكهرباء تحيط بمنزله وتسبب كثيرا في حصد العديد من الضحايا، وإنهم يعيشون مرعوبين من تساقط أسلاك الكهرباء عليهم، مستغيثا بالمسئولين لحمايتهم من الموت صعقا. مطالبا بإزالة خطوط الضغط العالي التي مضت عليها سنوات وتسببت في الكثير من الإصابات والحرائق. مطالبا بسرعة إزالة الضغط العالى المحيط بهم كشبح الموت.

وأضاف أحمد عاشور عامل من قاطني المنطقة: «كل يوم حد فينا بيموت بسبب كهرباء الضغط العالي، وينزل محروق بسبب الكهرباء، ومفيش مسئول بيرد علينا».

قالت أم مريم، موجهة رسالة للمسئولين، «يا تلحقونا يا متلحقوناش، الضغط العالي كل يوم بيلتهم واحد فينا، فضلا عن تأثيرها على مخ الأطفال ونموهم»، متابعة «علشان إحنا فقراء وليس لدينا أموال وعوضنا على الله، أين نذهب ونترك منازلنا؟!! والمسئولون لا حياة لمن تنادي».

التأثير النفسي
وحول مخاطر الحياة بالقرب من تلك الكابلات تقول الدكتور فاطمة الزهراء أستاذة الطب النفسي: أن أضرار أبراج الضغط العالي متعددة وخصوصا على الأطفال الذين يعانون من أمراض في القلب والكهرباء الزائدة بالمخ وخلل في الأعصاب والإصابة بسرطان الدم والأوعية اللمفاوية من الذين تقع منازلهم بالقرب من أبراج وخطوط الضغط العالي فضلا عن السيدات اللاتي يصبن بتشوهات في الأجنة من الحوامل، وارتفاع في ضغط الدم وأمراض القلب وسرطان الثدي.

وأشارت إلى أن خطوط الضغط العالي للكهرباء تؤدى إلى جملة من الأمراض الخطيرة؛ على رأسها، تدمير البناء الكيميائي لخلايا الجسم، والمادة الوراثية وتعطيل وظائف الخلايا، واضطراب إفراز الأنزيمات في الجسم، واضطراب الدماغ، والخمول والكسل وعدم الرغبة في العمل، واضطراب معدلات الكالسيوم، والشرود، والهذيان الذي يصيب العديد من المعرضين لهذه الأسلاك ومحطات الضغط الكهربائي العالي.


وزارة الكهرباء
وعلى الجانب الآخر قال مسئول بوزارة الكهرباء؛ أن الدكتور محمد شاكر وزير الكهرباء والطاقة المتجددة أصدر تعليمات واضحة إلى جميع شركات توزيع الكهرباء على مستوى المحافظات وبالتنسيق مع المحليات، بإعادة دفن جميع الكابلات تحت الأرض، وغلق جميع الأكشاك وتأمين اللوحات.

وقال إن الوزارة خصصت قنوات اتصال مع العديد من المحافظات للتكامل والتعاون في الأيام المقبلة، وتحديد فرق صيانة وطوارئ للأعطال والظروف الاضطرارية التي تحدث في فترة الشتاء من سقوط الأمطار، والتي تتسبب في حدوث الماس الكهربائى، والشبكة الكهربائية بها جزء هوائى من الممكن أن يتعرض للأعطال بسبب العواصف والأتربة والأمطار. 


تعليمات المحافظ
وعلى الجانب الآخر قال مسئول الوحدة المحلية أنه بناءً على أمر من محافظ الجيزة السابق اللواء كمال الدالي، تمت معاينة أبراج الضغط العالي التي تقع بمنطقة السكة الحديد، بعدما تقدم سكانها بشكوى للمحافظ، ووجدنا أن هؤلاء الناس هم المخطئون في الإقامة بمكان غير مؤهل للسكن، والأبراج منشأة قبل وجودهم بنحو 50 سنة تقريبا، وكانت المنطقة خالية من السكان، موضحا أن هذا ما اتضح من المعاينة، قائلا؛ أنه خوفا على أرواح الناس يتم الآن دراسة كيفية إزالة هذه الأبراج، وحماية الناس منها، سواء بتوفير سكن بديل لهم، أو استبدال هذه الكابلات الهوائية بكابلات أرضية، ورفع أعمدة الضغط العالي من فوق المنازل.

البرلمان
وأوضح أحمد يوسف عضو البرلمان عن مركز أوسيم، أن وجود أبراج الضغط العالي داخل الكتلة السكنية وعدم ارتفاعها عن الأرض، تعد كارثة بكل المقاييس؛ لما تسببه من حرائق وتدمير للصحة وإزهاق لأرواح المواطنين.

قائلا أنه وعدد من نواب البرلمان تقدموا بطلبات إحاطة لوزير الكهرباء بشأن انتشار محولات الكهرباء بالمناطق السكنية، وتسبب هذا الأمر في إزهاق أرواح الكثير من المواطنين؛ بسبب الحرائق وحالات الصعق، وأنها أصبحت تشكل خطورة كبرى على الأهالي، مطالبين بنقلها خارج الكتلة السكنية.

عدد الأبراج بالمحافظات
يذكر أن هناك نحو 625 محطة ضغط عال، و40 ألف كيلو متر خط ضغط عال، وتم التعدي من قبل المواطنين على بعض القرى المخصصة للكابلات بالعديد من المحافظات، خاصة بمحافظة سوهاج وأسوان، وتبلغ حالات التعدى هذه في محافظة القاهرة ‏2014‏ عقارا ومبنى مطلوب إزالتها.

ويقطنها ‏6000‏ أسرة، وتصل تكلفة توفير بديل لها نحو ‏300‏ مليون جنيه‏، بينما تبلغ قيمة تكلفة استبدال الكابلات نحو ‏179 ‏ مليون جنيه‏، وفى محافظة الجيزة أسفرت الإحصائيات عن وجود ‏2961‏ منزلا، وإجمالي التكلفة‏ 94.7 مليون جنيه للإسكان وتحويل الكابلات الهوائية إلى الأرضى‏، وفى محافظة القليوبية يبلغ عدد الوحدات‏ 10 آلاف‏ وحدة،‏ وتتكلف المباني البديلة ‏464‏ مليون جنيه، والفترة الزمنية أربع سنوات وتكلفة دفن الكابلات‏ 298‏ مليون جنيه‏، وليس ذلك هو حجم المشكلة فقط‏،‏ فهناك وجود للمشكلة في ‏19‏ محافظة من محافظات مصر‏،‏ وتتكلف مبالغ باهظة لحل المشكلة.
الجريدة الرسمية