مسجد منشأة عبد القادر.. وكنيسة قرية دمشاو هاشم
لأنني سأغادر أرض الوطن يوم الخميس المقبل، فكان قرار والدي أن نذهب إلى مكان يحبه نقضي فيه بعض الوقت، فسافرنا إلى مدينة جمصة السياحية التابعة لمحافظة الدقهلية، وفي طريق العودة لفت نظري قرية صغيرة على جانب الطريق تدعى "منشأة عبد القادر"، وضع أهل القرية صندوقًا كبيرًا لجمع التبرعات لتكملة بناء مسجد القرية الذي يعد تحفة فنية.
هذا معتاد من قديم الزمن، وهو عادة وضع صندوق بناء المسجد ولا مشكلة فيه، وبعدها وجدت شابين من المدينة واقفين على جانبي الطريق وكل سيارة تمر يدقون على شباكها حتى يتبرعوا لتكملة بناء المسجد، وبكل طيب قلب، ولأنني كنت أنا السائق بعدما حصلت على رخصة قيادة أخيرًا، تبرعت للصندوق، كنوع من الأخوة والمحبة.
لكن بعدها أخذني التفكير فيما يحدث في المنيا وبالتحديد في قرية "دمشاو هاشم" في تلك الأيام، نظرًا لاكتشاف أهل المدينة بعض الناس يقومون بفعل ربما لا يقل في نظر أهل المدينة عن خطأ قوم لوط، الذين خسفهم الله -عز وجل- وسواهم بالأرض، حتى لا تفكر عزيزي أن خطأ هؤلاء الناس هو الشذوذ الجنسي، لا، هم فقط كانوا يصلون في أحد المنازل!
نعم كانوا يصلون في أحد المنازل في تلك القرية، نظرًا لأنه حتى الآن لم يتم الموافقة على بناء كنيسة، كحال أغلب الكنائس الواقف بناؤها منذ قديم الأزل، ولا أعرف لماذا هذا التعسف؟ هل لمجاملة السلفيين والمتشددين، أم لأن في نظرهم بناء الكنائس رفاهية، يجب أن نتخلص منها!
المهم ما قام به المتشددون الذين يمثلون أنهم غيورين على دينهم، لم يصمتوا كثيرًا عن هذه الكارثة، وقرروا أن يضعوا حدًا لتلك الحالة السيئة، فكيف تعلو أصوات القداسات مع أصوات الأذان في مدينة واحدة، فقرروا أن يهجموا على ذلك البيت وليس ذلك البيت وحسب، بل وكل البيوت والمحال المجاورة، وأن يجعلوا كل المسيحيين يتركون أموالهم وبيوتهم ويفرون فقط بحياتهم.
تخيل عزيزي أن يستيقظ ابنك أو بنتك على صوت تكسير باب منزلك، وهجوم الغرباء عليه، نظرًا لأنك مختلف معه في معتقده، وللأسف يقولون أشياء كثيرة لا علاقة لها من القريب أو البعيد من المسيحية لكن وضعها بعض شيوخ الفتنة في عقولهم، وصارت كالنبتة، تنموا يومًا تلو الآخر.
وصاروا يصدقون أن هذا حقًا وتلك حقيقة، عندما تتخاذل قوات الأمن عن وضع حد لتلك الأمور، بل وصل الحال في بني سويف أن أحد رجال الأمن هجم وقت صلاة القداس ودخل حتى إلى الهيكل، وصرخ في وجه كل الناس: "أنتم كفرة!"، وما كان التعليق أو رد الفعل سوى أنه كالمعتاد "مختل عقليًا" وتم وقفه عن العمل!
كل تلك الأحداث تشعرني بالخزي، فأنا أفكر لو كان المسيح بعث في تلك الأيام وليس قبل ألفين عام، هل كان سيقول الملاك ليوسف النجار: "خذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر"!، أم كان إذا كان ولد في تلك الأيام وبالتحديد في المنيا سيقول له: "خذ الصبي وأمه واهرب من مصر"؟!.
السيئ أنه لا يوجد حل رادع لكل من يهجم على المسيحيين أو ينزع سلامهم، والأسوأ هو تخاذل القيادات سواء السياسية أو القيادات الروحية والحكومة بصفة عامة، ولا أرى رجلًا يقف أمام كل تلك المهازل في المنيا سوى الأنبا مكاريوس، وحيدًا في وجه النار.
قبل أن تحدثني عن المواطنة، أو تعيين اثنين من المحافظين مسيحيين في حركة المحافظين الأخيرة، دعني أولًا أشعر أنني لست أقلية، بل أملك الأحقية في الحياة مثلي مثل من أتخذ دين الإسلام، دينًا له.