رئيس التحرير
عصام كامل

كله بأوانه


هل جربت يوما فضيلة الصبر؟

أن تصبر على مديون، عله يكون معثرا، على بطيء التعلم حتى يتقن علمه، على أذى عارض لجارك ــ وأنت تعلم نواياه الطيبة ـــ حتى يهديه الله ويكفيك ما يقع منه، على ظروفك المالية السيئة حتى يفرج الله كربك، على طريقك وأنت تقود سيارتك ومعاملاتك مع الناس، لا تدري ظروف من يعبر الطريق أمامك، أن تصبر على مرضك متوكلا حتى يعافيك ربك.


عندما حادثتني هاتفيا صديقتي الفاضلة وهي تروي لي: «استرجعت كلماتك وأنا أقود سيارتي، كنت لا أصبر ولا أطيق على من يقود أمامي، بل لا أصبر على المشاة المارين، أمام سيارتي، فأستخدم آلة التنبيه بغزارة كي أفسح لنفسي طريقا، وكنت وقتها ترد على قائلا لي عندما أروي لك هذا: اصبري لعله رجلا مسنا، أو امرأة مسنة، أو فتاة تربكها القيادة، أو شابا حالة سيارته بسيطة، ولا يقو على السرعة، فقط اصبري قليلا.

وتكمل الصديقة: فعلا ما إن أتجاوز السيارة التي أتصور أنها تعيقني عن السير، إلا وأجد من يتعثر في القيادة غالبا شخص كبير السن أو فتاة مرتبكة، فأندم على تسرعي وغضبي عليهم، والحمد لله ألهمني الله الصبر البالغ في الطريق وعدم استخدام التنبيه بشكل مستمر ودائم الآن، وأعطى الأولوية لعابري الطريق، الذين أصبحت أتمهل معهم للغاية، وأعطيهم احترامهم وحقهم، فنلت منهم الدعوات بستر الطريق وكفاية شره، وهو ما أثلج صدري وشرح صدري وسهل طريقي».

تلك الصديقة، تعلمت منها أنا أيضا، نموذجا في الصبر على المكاره والرضا بالقضاء، إذ تحمل على عاتقها، تبعات مرض شقيقها الأوحد، طعامه، ودواءه، متابعته ذهابا وإيابا إلى الطبيب، مع حركته البسيطة القليلة، حتى حمامه اليومي تساعده فيه، قدر استطاعتها، دون تأفف أو ملل أو سخط، برضاء تام، وصبر على البلاء، وحمد لله عز وجل الذي يعطي المنحة في قلب المحنة، ويخفف بالبلاء أوزارا قد تنوء بها كواهلنا، فيروي قلوبنا العطشى للمغفرة والرحمة، وإلى حسن الثواب والإحسان.

روى لي صديق آخر، وهو الذي من المعتاد حينما يقود سيارته، ألا يتعجل من أمامه ويصبر ويعطي المهلة ويتحسب فيمن أمامه أنه لا يدري، ملتمسا له ألف عذر وعذر، أن الله ردّ له جزاء الصبر وأحسن إليه، بأن أنقذ والده بعد أن باغتته أزمة قلبية وهو يقود السيارة على إحدى الطرق السريعة المقفرة، وتنشق الأرض عن سيارة كانت تسير من خلفه ببطء ولاحظت حركته المتعرجة، وتوقفه على جانب الطريق فجأة، فبادر ركابها بالنهوض إليه ومساعدته إنقاذه.

ربما نحتاج في أغلب تعاملاتنا اليومية، الارتقاء إلى أعلى درجات الصبر، والصبر أنواع، فقد يكون على البلاء، وقد يكون بالتحلي بالحُلم وقت الغضب، وقد يكون بالصبر على قلة العطاء، إلا أن أعلى درجات الصبر هو «الصبر الجميل»، الذي ورد على لسان نبي الله يعقوب عليه السلام، كما حكى عنه القرآن الكريم، حين جاءه أبناؤه يزعمون أن الذئب قد أكل أخاهم يوسف، بقوله في سورة يوسف (قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون)، وكررها مرة أخرى حين جاؤوه يخبرونه أن ابنه سرق (قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم)، وهو الذي تستشعر حلاوته وطلاوته في روحك ونفسك.

حين نصبر على الظروف القاسية، على امتحانات الحياة، على أذى الآخرين، على ظروف لا نعلمها، فنَتلمس الأعذار، ونعطي الفرص، مرة واثنتين وعشرة، فإننا حقيقة لا نقدم للآخرين معروفا، بقدر ما نقدمه لأنفسنا، التي نروض غضبها ووحشيتها وقسوتها، بنعمة الهدوء والتحلي بتلك الفضيلة، فلن يكون إلا ما كتبه الله، ولن يجري أي أمر في دنيانا وحياتنا إلا بمراد الله، حتى أوقاتنا ووجهاتنا نصلها بميقات معلوم ومكتوب.
الجريدة الرسمية