أصوات من قلب إدلب.. هواجس معركة لم تبدأ بعد
تتهيأ قوات الجيش السوري لشن معركة الحسم ضد الثوار في إدلب، وبرفض تركيا إبداء أي رد فعل، يتساءل الجميع أين سيذهب 3 ملايين شخص يسكنون المدينة؟ الصحفي "أنشال فورا" كان هناك، وتكلم إلى المدنيين وقادة المسلحين وعاد بالتحقيق التالي، يُراكم محمد طارق (وهو اسم مستعار لحماية المتحدث) بمنطقة إدلب العتاد والمؤن بانتظار يوم الهجوم المرتقب.
علبتا كارتون من الخبز المجفف، علب جبنة، قوارير طرشي، أكياس رمل ملئت بالرز، وبعناية رتب محمد المواد الأساسية على رفوف في قبو المبنى الذي بني خصيصًا للاحتماء والتخفي، على أمل النجاة من هجوم القوات الحكومية السورية الوشيك.
"ماذا بوسعي أن افعل أكثر من هذا؟ لقد خزنت أطعمة وألعاب أطفال أيضا في القبو" يقول محمد متحدثا مع DW من بيته في إحدى قرى المنطقة.
ملايين المدنيين حالهم حل محمد طارق، فهم يبذلون قصارى جهودهم لإنقاذ عائلاتهم وإيوائهم بمناطق آمنة خلال الهجوم. أما محمد، فيحتفظ مع مؤونته بسيارة لعبة لابنه البالغ 4 أعوام من العمر، وبحجلة أطفال تعلم المشي لابنته البالغة من العمر 10 أشهر، محاولا بذلك أن يحافظ على هدوئهم إبان صخب المعركة المنتظرة.
مدينة إدلب تأوي اليوم مليوني نسمة أجبرتهم المعارك والتوافقات وحملات الباصات على النزوح إليها. وشهد سكان إدلب خلال الأسبوع المنصرم، تحشيدا عسكريا كبيرا حول المنطقة. إذ تتحرك أرتال الجيش السوري إلى خطوط المواجهة لاستعادة آخر معقل يأوي المسلحين، روسيا من جانبها، نشرت قطعًا بحرية في البحر المتوسط لتقوية القوات السورية. أما مراصد تركيا الإثنا عشر، فباقية في الإنذار بما يؤهلها حماية مصالح مجاميع مقاتلي المعارضة الذين طالما دعمتهم هذه المراصد في عملياتهم القتالية.
إدلب في قبضة "الجهاديين"
المجموعة" الجهادية" المتشددة هيئة تحرير الشام، والمعروفة اختصارا "هتش" التي سبق أن اعلنت ولاءها لتنظيم القاعدة تسيطر على 60 بالمائة من منطقة إدلب.
وفي خضم غارات جوية روسية يقول الكرملين إنه يشنها على جبهة النصرة، حذرت روسيا أن القوات المسلحة السورية تتهيأ لحل "مشكلة الإرهابيين" في إدلب، يشار إلى أن القواعد الروسية في سوريا تعرضت مرارا إلى هجمات شنتها طائرات بدون طيار أطلقتها هيئة أحرار الشام، وهو أمر يزيد من إصرار روسيا على دعم الهجوم السوري المرتقب على إدلب.
وفيما تبدو المعركة حتمية الوقوع، فإنّ حجمها وشدتها ما زالت غير أكيدة، فيما لا زالت روسيا وتركيا تبحثان عن حلول دبلوماسية للأزمة، يأتي ذلك على أعتاب اجتماع مرتقب يضم الدولتين إلى بشار الأسد وحليفته إيران يؤمل أن يُعقد الجمعة في طهران.
بلال زكريا رئيس المجلس البلدي لمدينة معرة النعمان في حديث مع DW أكد بالقول: "كليّ ثقة أنّ الحل السياسي سيمهد الطريق إلى إدلب. الجانب التركي أعاد تأكيد التزامه لقادة المجاميع المسلحة خلال اجتماعهم الأخير في إسطنبول، وقد أصدروا رسالة بهذا الخصوص لنا".
وتحدثت DW إلى عنصر قيادي في جبهة التحرير الوطنية، وهو تحالف يضم مجاميع معتدلة وإسلامية تدعمه تركيا، فقال رافضًا الإفصاح عن اسمه لأسباب تتعلق بسلامته " هيئة أحرار الشام هي ذريعة تستخدمها روسيا لتبرير الهجوم، وعلى كل حال، فقد حاولنا من جانبنا إقناع الهيئة بحل نفسها والانضمام لنا لحرمان روسيا من هذه الذريعة، ولكنهم حتى الآن رافضون لهذا الخيار".
وفي الحقيقة، سارعت هيئة أحرار الشام إلى ضخ التقويات إلى شمال حماة في محاولة لمباغتة الجيش السوري. بل إن الهيئة تقضي على كل من يُظهر النية لعقد سلام مع الحكومة.
"روسيا وسوريا طلبتا من إدلب الاستسلام، والمرور بعملية مصالحة تشبه ما جرى في منطقة درعا سابقا، إلا أنّ هيئة أحرار الشام رفضت العروض مؤكدة أنها ستقطع رءوس الخونة الذين يتفاوضون مع النظام السوري"، كما كشف جوشوا لانديز مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما في حديث مع DW.
المدنيون بين زحف النظام وقبضة "الجهاديين"
كان محمد طارق قبل الحرب معلمًا للغة الإنجليزية في المدارس الريفية، خلال الأزمة، بدأ يحمل كلاشنيكوف لحماية أسرته من الجيش السوري. وباتت البندقية اليوم تمنحه نوعا من الإحساس بالأمن من الأخطار اليومية التي يفرضها عناصر هيئة أحرار الشام والذين يصفهم طارق ببساطة بالقول "رجال القاعدة".
"جعلنا النظام السوري متطرفين بقتله أهلنا، جعلنا نمقت الشيعة والعلويين. لم نكن نمقتهم قبل الحرب"، يقول طارق ويستمر بالقول "جاء هؤلاء القاعديون فجعلوا الوضع أسوأ. لقد كسروا اركيلتي" شيشتي" قبل أيام، وأحرقوا محال كثيرة في إدلب ووضعوا تشريعات صارمة، نحن لا نريدهم (كما لا نريد النظام)، إنهم يلوثون سمعة المعارضة".
تقع قرية طارق اليوم تحت سلطة فصيل اسمه فيلق الشام، يعود إلى جبهة التحرير الوطنية، ويعترف الفصيل بأنهم إسلاميون، لكنه يصر على أنهم ليسوا جهاديين.
ويمضي طارق إلى القول: "الحل الأمثل لإدلب هو أن تخضع للسيطرة التركية، سأكون مواطنا تركيا (في هذه الحالة) منذ يوم غد، فأنا لا أريد أن أخضع لحكم الأسد، ولا أريد أن أكون مع هؤلاء "الجهاديين"، تركيا تدعم الثوار الإسلاميين ونحن كذلك".
أكثر ما يخشاه محمد طارق هجومًا بالأسلحة الكيماوية، كما جرى في فبراير الماضي على مدينة سراقب، والذي أكدته فيما بعد منظمة تحريم استخدام الأسلحة الكيماوية الدولية".
ويقول في هذا السياق: "نحن واثقون أنّ النظام سيمارس نفس التكتيكات ويقصفنا بالأسلحة الكيماوية، ما الذي يمنعه عن ذلك؟ ربما أهرب إلى مدينة عفرين، فالانتقال إلى هناك قد يضمن الأمان لعائلتي".