وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)
نحن سبب الإساءات التي يشنها البعض على الإسلام والرسول، كيف؟! في شهر سبتمبر من عام 1988، وبالتحديد يوم 26، شهد العالم زلزالًا رهيبًا، وقامت الدنيا، ولم تقعد، فقد صدر كتاب "آيات شيطانية"، من تأليف الكاتب البريطاني من أصل هندي سلمان رشدي.
ثارت ثائرة المسلمين في جميع أنحاء العالم، وأهدر علماء الدين دم المؤلف، وبعد 9 أيام من إصدار الكتاب منعت الهند سلمان رشدي من دخول بلادها، وتلقت دار النشر التي طبعت الكتاب الآلاف من رسائل التهديد والاتصالات التليفونية المطالبة بسحب الكتاب من دور بيع الكتب.
وقامت بنجلاديش والسودان وجنوب أفريقيا وكينيا وسريلانكا وتايلاند وتنزانيا وإندونيسيا وفنزويلا وسنغافورة بمنع الكتاب. وخرجت مظاهرات للتنديد بالكتاب في إسلام آباد ولندن وطهران وبومبي ودكا وإسطنبول والخرطوم ونيويورك. وأحرقت خلال عمليات الاحتجاج هذه أعداد كبيرة من الكتاب في برادفورد في المملكة المتحدة في 14 يناير 1989، وصدرت فتوى من الخميني في 14 فبراير 1989 بإهدار دم سلمان رشدي.
لم يتوقف أحد من المنتمين للإسلام، من يدعون حب سيدنا محمد، صلى الله عليه وآله وسلم، لحظة، ليسأل نفسه: لماذا أقدم رشدي على هذه الخطوة تأليف رواية "وضيعة" للإساءة إلى النبي، صلى الله عليه وآله وسلم؟! لماذا عرض نفسه لكل تلك المخاطر؟!
للأسف البالغ، فإن ما ردده سلمان في آياته الشيطانية، استقاه من كتب التراث، والتاريخ الإسلامي، والتفاسير الإسلامية!!
فمن أين أتى بمحاور العمل؟!
الحبكة الرئيسية في هذا الكتاب تستند إلى رواية ذكرتها بعض كتب السيرة مثل "ابن إسحاق"، و"ابن جرير"، وغيرهما.. وتذكر أن الرسول وأثناء نزول سورة "النجم" عليه همس له الشيطان بهذه الكلمات: "تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى".. والآيات المقصودة هنا هي الآيات 18 و19 من سورة "النجم" التي تقول: "أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى، أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى"..
وحسب الرواية فقد همس الشيطان بهذه الكلمات: "تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى"، وهذا يعني أنه تم ذكر تلك الأصنام بخير في القرآن، وفي هذا إشارة "خبيثة" إلى أن الرسول حاول بطريقة أو بأخرى تخفيف معاداة أهل مكة لدعوته وكف الأذى عن أتباعه بذكر آلهة مكة بخير، حيث يزعم البعض أنه بعد هذه الحادثة ساد الوئام بين الرسول محمد ومعارضيه السابقين من أهل مكة، حتى بلغ الأمر أن بعض المسلمين الذين هاجروا إلى الحبشة هربا من عنف أهل مكة قد قرروا العودة.
بالطبع فإن من يزعم بتلك الواقعة، مخطئ وواهم، ورد عليه الكثيرون من علماء المسلمين، قديما وحديثا، فما رسولنا، صلى الله عليه وآله وسلم، هو المقصود بقوله تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِۗ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ".. وإنما هذا جائز في حق غيره من الأنبياء السابقين، عليهم السلام.
أما الأجزاء التي تحدث فيها كاتب الآيات الشيطانية عن التجاوزات الجنسية في حياة المسلمين الأوائل، فقد استوحاها من الروايات الكاذبة، التي افترت المزاعم والأكاذيب، عن واقعات وهمية لم تحدث، عن الصحابة والنبي الأكرم، صلوات ربي وتسليماته عليه وآله، ولا أدري لماذا اهتم الرواة والكتب القديمة برواية وترديد أقاويل مغلوطة عن "الجنس"؟!
وما يردده الملحدون ويكتبونه عن الإسلام، ورسوله، (والعياذ بالله) أشد من تلك الرواية وأنكى، ولم يكلف أحدٌ من علماء المسلمين نفسه ويسهر ليلة لتفنيد مزاعمهم!
فلتلوموا أنفسكم أيها المسلمين، قبل أن تغضبوا من المتجاوزين في حق الدين الإسلامي، والرسول العظيم، صلى الله عليه وآله، وتثوروا عليهم، وتهدروا دماءهم.
قال العالم الأزهري الجليل الدكتور محمد عبد الله دراز، رحمه الله: "يقول الإمام مالك: إذا رأيت الرجل يدافع عن الحق فيشتم ويسب ويغضب فاعلم أنه معلول النية لأن الحق لا يحتاج إلى هذا".
دافعوا عن نبيكم، ودينكم بأخلاقكم، مصداقا لقول النبي، صلى الله عليه، وآله: "إنكم لا تسعون الناس بأموالكم، ولكن يَسَعُهم منكم بسط الوجه وحسن الخُلُق". رواه البزار في مسنده والمحاملي في أماليه وأبو نعيم في تاريخ أصبهان من حديث أبي هريرة، وحسنه الحافظ ابن حجر والحافظ الذهبي.
وقوله صلى الله عليه وآله: "ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله يبغض الفاحش البذيء". وفي رواية: "وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة".