رئيس التحرير
عصام كامل

الديكتاتور


كانت ثاني امرأة تصل إلى منصب رئيس وزراء في العالم وأول هندية تحقق هذا الإنجاز، وهي صاحبة الفضل في صنع قنبلة الهند النووية، وصاحبة أرقام مهمة وإنجازات أهم في تاريخ الهند، واستطاعت أن تحقق أول انتصار للهند على باكستان عندما غزتها، وأنشأت دولة بنجلاديش.. عن إنديرا غاندي نحدثكم!!


ما علاقة "إنديرا غاندي" بـ"السادات" وما علاقة الاثنين بأستاذي الراحل فارس الصحافة المصرية الدكتور "صلاح قبضايا"؟

تبدأ القصة عندما تملص الراحل الكاتب الصحفي المتأنق "جلال الحمامصي" من تولي رئاسة تحرير أول صحيفة مصرية معارضة عام ١٩٧٦م - صحيفة الأحرار- ورشح بدلا منه الشاب "صلاح قبضايا" ابن مؤسسة أخبار اليوم ومحررها العسكري لتولي المسئولية.

وما أن صدر العدد الأول من صحيفة المعارضة كما كانت تلقب ساعتها وانقلبت الدنيا رأسا على عقب، حيث صدر مانشيت العدد الأول تحت عنوان "محاكمة ممدوح سالم رئيس الوزراء"، وكان ملف العدد عن القطن المصري.. تلقف الشارع المصري العدد بلهفة شديدة بعد أن غابت عنه لسنوات ما بعد ثورة يوليو أصوات المعارضين بعد أن وأدت ثورة يوليو تجربة التعددية الأولى..

نجحت "الأحرار" في التعبير عن كافة أطياف المجتمع المصري.

أصبحت "الأحرار" صوت الوفديين وصوت الناصريين والشيوعيين، وتحولت إلى منبر مقلق للسلطة ولم يتحمل الرئيس "السادات" هذا الأمر فاتصل بزعيم حزب الأحرار الراحل العظيم "مصطفى كامل مراد" طالبًا منه بفصل "صلاح قبضايا" فكان له ما أراد وتولى المسئولية من بعده "محمد الغلبان"..

وقد تزامن ذلك مع سقوط مروع لـ"إنديرا غاندي" في الانتخابات وفوز حزب "جاناتا" بالانتخابات وتوالت فضائح دكتاتورية "إنديرا غاندي".

قادت الصدفة "صلاح قبضايا" للسفر إلى الهند في هذا التوقيت، فرصد كل ما أثارته الصحافة الهندية عن مآسي الشعب الهندي تحت ولاية "إنديرا غاندي" وألف كتابا تناول فيه صلفها وتعنتها وسلسلة الاعتقالات التي طالت المعارضين في ذلك الوقت، وكيف كانت تهيئ الأمور ليعتلي ابنها الكبير حكم البلاد، فأثارت الصحافة الهندية قضية تزوير الانتخابات..

فلم يكن من "غاندي" إلا أن فرضت حالة الطوارئ وطالت الاعتقالات كافة أطياف العمل السياسي في واحدة من الفترات التي لم تشهد البلاد مثيلا لها منذ رحيل الإنجليز عن بلادها.

أصدر "صلاح قبضايا" كتابه وما أن وصل الكتاب إلى الرئيس "السادات" إلا وهاج وماج وأصر على أن "قبضايا" لا يقصد بكتابه "إنديرا غاندي" وإنما يقصده هو شخصيا.. حوصر "صلاح قبضايا" في مؤسسته أخبار اليوم التي كان قد عاد إليها بعد فصله من الأحرار، وحاول الدفاع عن نفسه دون جدوى..

وقد قال لي رحمه الله إن الكاتب الكبير "موسى صبري" كان عضده في هذه الأزمة ودافع عنه دفاعًا مستميتًا حتى نجا من الاعتقال.

رغم كل ما عاناه "صلاح قبضايا" من "السادات" إلا أنه قضى حياته كلها يعشقه عشقا غريبا.. كان يرى أن السادات سياسي بارع، وذكي، ووطني خالص، وصاحب رؤية، فلم يعبر عنه في يوم من الأيام بما يسيء إليه، ولم يكتب عنه بعد وفاته إلا كل ما هو رصين وموضوعي، ولم يحمل في قلبه ضغينة له، وكان يتندر بذكائه وقدراته على فهم الأمور، وقد اعترف لي في واحدة من جلسات الصفاء أن كل سطر في كتاب "الديكتاتور" كان يلف ويدور حول "السادات".

ورغم أن "صلاح قبضايا" كان صاحب أول كتاب عن حرب أكتوبر إلا أنه وبعد أن توالت به الأحداث مع "السادات" في غير ما يرغب إلا أنه ظل طوال حياته يتحدث ويكتب عن عبقرية "السادات" وجرأته في اتخاذ قرار الحرب، وظل يطالب بإنتاج فيلم يليق بحرب أكتوبر حتى كتب قبل رحيله بعدة سنوات كتابا تحت عنوان "الخديعة"..

رصد فيه قدرات مصر وذكاء "السادات" في خوض معركة التعمية قبل الحرب واتفق قطاع الإنتاج في ذلك الوقت على إنتاجه فيلما سينمائيا.. رحل الفارس الذي أنصف "السادات" رغم كل شيء ولم ير فيلمه النور!!

رحل "السادات" بعد اعتقالات سبتمبر التي طالت الجميع، ولم يكن "قبضايا" داخل البلاد في هذه الأيام فلم يطله الاعتقال.. كان على ما أتذكر في قبرص أو اليونان بعد أن تسرب إليه نبأ اعتقالات ستطال الجميع..

وكان قبضايا أول المعزين في دفاتر العزاء التي أقامتها سفاراتنا بعد الاغتيال.. رحل "السادات" صاحب أول انتصار للعرب على إسرائيل، وصاحب اليد العليا في القضاء على مراكز القوى، وصاحب التاريخ الوطني العظيم في محاربة الاحتلال الإنجليزي.. رحل بكل تاريخه دون أن تنفي عنه إنجازاته أنه كان "واحد ديكتاتور"!!
الجريدة الرسمية