خد سيجارة
حكى لي صديقي عن مشهد أصابه بالصدمة والعجب على الانهيار التدريجي لمنظومة الأخلاق والقيم المجتمعية. في دار حضانة ابنته الطفلة الصغيرة التي لا تتجاوز الثلاث سنوات ونصف السنة من العمر، وعندما ذهب ليحضرها كعادته اليومية، وقد أخبرته صغيرته أن هذا اليوم سيتضمن حفلا للأطفال "الشطار"، تنظمه الحضانة.
وصل الأب إلى الحضانة، طرق الباب، فتحت له الدادة، وجد الأطفال الصغار ومن ضمنهم ابنته يلتفون في دائرة حول مدرستهم، المربية لهم وهي "تتحزم" بإيشارب، وتتمايل أمامهم على أنغام ما يدعى مهرجان "خد سيجارة"!.
"خد سيجارة"! في دار حضانة! أمام أطفال في عمر الزهور! مُدرسة تتحزم وتتمايل! وعلى الفور لم يدع صديقي الفرصة إلا وأعطى المٌدرسة وإدارة الحضانة سويا، درسا في الأخلاق وانهيار القيم التربوية، كونهما نموذجا وقدوة سيئة للأطفال، وكونهما لا يُراعيان الله في أمانة تربيتهم التي حملها إياها أولياء الأمور، وكان قراره الفعلي بإنهاء علاقة ابنته بتلك الحضانة تماما، والبحث عن دار أخرى تنمي عقل الأطفال وتراعي حداثة سنهم.
وفي المساء فوجئ صديقي بطفلته الصغيرة، وهي تطلب منه طلبا غريبا، (بابا عايزة "خد سيجالة")، نعم بلسانها المتلعثم، طلبت الصغيرة مهرجان "خد سيجارة"، للمُدرسة الموهوبة، ذات الوسط اللولبي، وعندما قال صديقي لطفلته إن هذه الأغنية "مش كويسة ووحشة للأطفال"، باغتته الصغيرة بالقول: "أنا بحبها"!.
في انهيار متسارع لمنظومة القيم والأخلاق في مجتمعنا التي فرضها عالم التوكتوك بكل مشتملاته، وسيطرة الأشياء الصوتية التي تأتي تحت بند وإطار "مهرجانات" على الذوق العام، فلا عجب أن يمتد هذا السرطان السمعي والأخلاقي إلى دور صناعة البراءة والنقاء، محراب النقش على الحجر.
مؤخرا تداولت مواقع إخبارية، مشاهد فيديو لمجموعة من الأطفال الصغار يتراقصون باستخدام الخناجر والمطاوي على أنغام أحد هذه المهرجانات، كما تداولت المواقع، مقطع فيديو لطفلة لا تتجاوز 10 سنوات، ترقص مستخدمة "السنجة"!.
ندرك أن أغلب الصغار لا يدركون ما يقومون به، ويفعلون ذلك بدافع التقليد الأعمى فقط، وبدافع تقمص شخصيات مهارتها الوحيدة هي البلطجة والقوة، وأسهمت في صناعة ذلك بعض النوعيات من الأفلام السينمائية، وهو أمر خطير له انعكاسات سلبية عليهم في المستقبل، ويٌسهل إقناعهم بفكرة حمل الأسلحة والعبث بها كيفما شاءوا.
واجبنا قدر المستطاع تحصين أطفالنا من هذا الوباء اللعين، العبث بالأذواق والأخلاق، وبكل القيم الطيبة التي كانت تسود جيلنا يوما ما، وتتهاوى الآن باتجاه الحافة... نسأل الله النجاة لنا ولأولادنا.