تطرف غير ديني!
لأننا عانينا الكثير من العنف والإرهاب فقد تركز اهتمامنا على هذا التطرّف الديني الذي ابتلينا به بشكل مخطط وممنهج شارك فيه جهات داخلية وخارجية، وصنع لنا وحوشا آدمية انطلقت تقتل وتدمر وتخرب وتفجر، وما زلنا حتى الآن لم نواجه هذا التطرّف الديني بالحسم والقوة التي تقضى عليه أو تحد من خطره علينا.
غير أن التطرّف ليس دينيا فقط.. لدينا أنواع أخرى من التطرف، نعانى منها في مجتمعنا.. ولو تأملنا حالنا حاليا سوف نكتشف أن هناك ظواهر عديدة لهذا التطرّف، منها تحول الحوارات والنقاشات بيننا إلى صدامات شديدة القسوة وتشبث المشاركين في هذه الحوارات والمناقشات بشكل مرضى بمواقفهم، وعدم الاستعداد لمراجعة مواقفهم وآرائهم، والإصرار على صحة ما في حوزتهم من معلومات، رغم وجود معلومات أخرى مختلفة، وايضًا رفض قبول الرأي الآخر، بل والحط من شأنه، وتجريم وتخوين أصحابه والتعامل معهم بوصفهم أعداء يجب القضاء عليهم أو على الأقل إخراس أصواتهم ومنعهم من الإدلاء بآرائهم!
لذلك نحن لا نمارس في حياتنا الفكرية والثقافية والسياسية أيضا تنافسا مفيدا نحتاجه للوصول إلى أفضل الحلول لمشكلاتنا المختلفة، ولينضر لنا طريقنا ويظل لنا الصعاب.. وإنما نمارس فيما بيننا صراعا قد يصبح داميا في بعض الأحيان.. والسبب أننا نعاني من التطرّف والتعصب في حياتنا وسلوكنا وتصرفاتنا والمواقف والقرارات التي نتخذها، ولا نحترم الآخر..
وإنما نقدس أنفسنا وذواتنا، ونتصور أن ما نقوله هو الحق والحقيقة والصواب، وأن رأينا لا يحتمل أبدا الخطأ ورأى غيرنا يحتمل الصواب، ولذلك نعامل مع من لا يشاركنا ذات الرؤى والآراء والمواقف كعدو يجب سحقه والقضاء عليه.. المجتمع عندنا لا يتسع للجميع وإنما لنا وحدنا فقط أو من يشبهنا أو يسايرنا ويصفق لنا فقط.
وتتفاقم هذه المشكلة أكثر عندما نملك سلطة أو نحوز حق اتخاذ قرارات تؤثر في حياة الناس ويدفعون ثمنها.. فالأمر هنا يتجاوز نطاق ذواتنا ليتسع تأثيره علينا نحن المختلفين.. ولا حل لهذه المشكلة إلا إذا نجحنا بالفعل في عملية إعادة بناء الإنسان المصرى، ليصبح إنسانا متسامحا مؤمنا بالفعل بالقيم الإيجابية، وعلى رأسها المساواة واحترام الآخر والقبول بثقافة العيش المشترك.