«لبيك اللهم لبيك».. الحجاج يؤدون الركن الأعظم بالحج بالوقوف على عرفة.. اللون الأبيض يكسو المشاعر المقدسة وسط دموع وخشوع ضيوف الرحمن.. و«الصحة السعودية» تستعد بـ150 فرقة و33 مركزًا
الزمان يوم التاسع من شهر ذي الحجة، خير يوم طلعت فيه الشمس، والمكان هو صعيد عرفات، يجتمع الحجاج القادمون من كل حدب وصوب على صعيد واحد في مكان واحد وزمان واحد وبلباس واحد لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى، اشرأبت أعناقهم وتوحدت قلوبهم في مشهد عظيم ملبين لله تعالى، وارتفعت أياديهم بالتضرع إلى الله طلبا للمغفرة والرحمة، فيصلوا الظهر والعصر قصرا وجمعا بأذانٍ وإقامتين ويدعون بما تيسر لهم تأسيا بسنة خير البشر محمد عليه الصلاة والسلام.
أجواء إيمانية
بدأت قوافل حجاج بيت الله الحرام مع إشراقة صباح اليوم الإثنين التاسع من شهر ذي الحجة بالتوجه إلى صعيد عرفات الطاهر مفعمين بأجواء إيمانية يغمرها الخشوع والسكينة، وتحفهم العناية الإلهية ملبين متضرعين داعين الله عز وجل أن يمن عليهم بالعفو والمغفرة والرحمة والعتق من النار.
ورصدت وكالة الأنباء السعودية في المشاعر المقدسة عملية انتقال جموع الحجيج من منى إلى عرفات، حيث اتسمت الحركة المرورية بالانسيابية خلال تصعيد الحجيج.
ويؤدي حجاج بيت الله الحرام بمشيئة الله تعالى اليوم صلاتي الظهر والعصر جمعًا وقصرًا بأذان واحد وإقامتين في مسجد نمرة اقتداءً بسنة المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام القائل (خذوا عني مناسككم).
جبل عرفات
عرفة أو عرفات مسمى واحد عند أكثر أهل العلم لمشعر يعد الوحيد من مشاعر الحج الذي يقع خارج الحرم، وهو عبارة عن سهل منبسط به جبل عرفات المسمى بجبل الرحمة الذي يصل طوله إلى 300 متر وبوسطه شاخص طوله (7) أمتار، فيما يحيط بعرفات قوس من الجبال ووتره وادي عرنة، ويقع على الطريق بين مكة والطائف شرقي مكة المكرمة بنحو (22) كيلو مترًا وعلى بعد (10) كيلو مترات من مشعر منى و(6) كيلو مترات من المزدلفة بمساحة تقدر بـ(4 . 10) كيلومترات مربعة وليس بعرفة سكان أو عمران إلا أيام الحج غير بعض المنشآت الحكومية.
وبعرفة جبلها المشهور وهو أكمة صغيرة شبيهة بالبرث يصعد عليها بعض الحجاج يوم الوقوف وليس الوقوف على الجبل خاصة من واجبات الحج لقوله صلى الله عليه وسلم (وقفت هاهنا بعرفة وعرفة كلها موقف).
فضل يوم عرفة
وليوم عرفة فضل عظيم إذ ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يوم عرفة هو أفضل يوم عند الله وذلك في الحديث الذي رواه جابر رضي الله عنه عن حبيب الله محمد صلى الله عليه وسلم (ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء فيقول انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثا غبرا ضاحين جاؤوا من كل فج عميق يرجون رحمتي ولم يروا عذابي فلم ير يوما أكثر عتقا من النار من يوم عرفة) وبعرفة نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم قوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا).
مسجد نمرة
وعندما يقف الحجيج في عرفات ينتصب أمامهم مسجدة "نمرة" بفتح النون وكسر الميم وسكونها، فنمرة هو جبل نزل به النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة في خيمة ثم خطب بعد زوال الشمس وصلى الظهر والعصر قصرًا وجمعًا "جمع تقديم" وبعد غروب الشمس تحرك منها إلى مزدلفة.
وفي أول عهد الخلافة العباسية في منتصف القرن الثاني الهجري بني مسجد في موضع خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يعرف الآن بمسجد نمرة.. توالت بعدها توسعاته على مر التاريخ وصولًا للوقت الحالي فأصبحت مساحته (124) ألف متر مربعن مؤلف من طابقين مجهزين بنظام للتبريد والمرافق الصحية حيث يتسع لأكثر من 300 ألف من المصلين.
ويأتي جمعٌ من الحجاج يوم عرفة إلى مسجد نمرة؛ ليستمعوا إلى خطبة خطيب المسجد، ثم يصلوا الظهر والعصر بأذان وإقامتين، ثم يشرعوا بالدعاء والتضرع لله تعالى حتى غروب الشمس.
ووادي عرنة، من أودية مكة المكرمة والجزء المقدم من مسجد نمرة يقع في هذا الوادي وهو خارج عن عرفات وداخل في الحل وليس بمشعر، وهو حد فاصل بين الحل والحرم.
مسجد الصخرات
كما أن في عرفات مسجد الصخرات وهو أسفل جبل الرحمة عـلى يمين الصاعد إليه وهو مرتفع قليلًا عن الأرض يُحيط به جدار قصير وفيه صخرات كبار وقف عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة وهو على ناقته القصواء.
وأحيط الموقف بجدار طوله من جهة القبلة 13.3 مترا والجدار الذي على يمينه ويساره 8 أمتار أما الجدار المقابل للقبلة فدائري غير مستقيم.
وفي مشهد مهيب وجمع راج رحمة ربه وابتغاء مرضاته في هذا اليوم المبارك، أفضل يوم طلعت عليه الشمس، يقف الحاج على صعيد عرفات الطاهر، وعرفة كلها موقف إلا وادي عرنة، وكما روى جابر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء فيقول انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثًا غبرًا ضاحين جاؤوا من كل فج عميق يرجون رحمتي ولم يروا عذابي فلم ير يوم أكثر عتقًا من النار من يوم عرفة).
النفرة إلى مزدلفة
ومع غروب شمس هذا اليوم تبدأ جموع الحجيج نفرتها إلى مزدلفة ويصلون بها المغرب والعشاء ويقفون بها حتى فجر غد العاشر من شهر ذي الحجة لأن المبيت بمزدلفة واجب حيث بات رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، وصلى بها الفجر.
صعيد عرفة ملتقى ضيوف البارئ، جمعهم من مختلف الأمصار والبلدان، تركوا الأهل والولد، وبذلوا الغالي والنفيس، ماثلين في مكان وزمان ولباس واحد، رجاء رحمة الله بقلوب خاشعة منيبة.
عرفات.. السهل والوادي والجبل، عرفات المسجد، والصعيد الطاهر، تدنو فيه الرحمة، ورجاء العتق من النار والعود بمغفرة الذنوب.
عرفات.. خير يوم طلعت فيه الشمس، قال فيه صلى الله عليه وسلم : " إذا كان يوم عرفة فإن الله ينزل إلى السماء الدنيا فيباهي بهم الملائكة، ويقول: انظروا إلى عبادي أتوني شُعثًا غبرًا ضاجين من كل فج عميق، أشهدكم أني قد غفرت لهم".
والحج عرفة.. فمن أدرك عرفة أدرك الحج.. وعرفة المشعر الوحيد الذي يقع خارج حدود الحرم.
استعدادات "الصحة السعودية"
من جانبها هيأت وزارة الصحة السعودية أربعة مستشفيات موزعة في أرجاء المشعر بسعة 600 سرير هي: مستشفى جبل الرحمة ومستشفى عرفات العام ومستشفى نمرة ومستشفى شرق عرفات، إلى جانب 46 مركزًا صحيًا جهزت بكامل مستلزماتها يباشرها فرق طبية بمختلف التخصصات.
وتبلغ الجهود الطبية في مشعر عرفات 150 فرقة و33 مركزًا إسعافيًا وأكثر من 26 نقطة للعناية، تتبع لهيئة الهلال الأحمر السعودية لخدمة الحجيج في مشعري عرفات ومزدلفة جهزت جميعها بالمستلزمات والمواد الطبية اللازمة وكلفت قوة عاملة تباشرها قوامها 355 موظفا، من بينهم 19 طبيبًا و9 أخصائيين و100 متطوع و11 مشرفًا، فضلًا عن الفنيين والإداريين، بالإضافة إلى أكثر من 150 فرقة إسعافية و28 فرقة للعناية المتقدمة.
ويدعم الفرق الإسعافية في مشعر عرفات ومزدلفة أسطول من سيارات الإسعاف المتطورة يضم أكثر من 95 سيارة إسعاف مزودة بأحدث التقنيات الطبية المستخدمة في العالم، من بين 360 سيارة إسعاف متطورة خصصتها الهيئة للعمليات الإسعافية هذا العام لتغطية نطاقات مكة المكرمة والمشاعر المقدسة والمدينة المنورة.
تفويج الحجاج
أكملت وزارة الشئون الإسلامية والدعوة والإرشاد، ممثلة بالأمانة العامة لبرنامج ضيوف خادم الحرمين الشريفين للحج جاهزيتها لتفويج الضيوف الذين يزيد عددهم على 5300 حاج وحاجة ينتمون لأكثر من (94) دولة من مختلف دول العالم من مكة المكرمة إلى المشاعر المقدسة، عبر أسطول متكامل من الحافلات الحديثة والسيارات الخاصة وسيارات الإسعاف لنقل ذوي الاحتياجات.