رئيس التحرير
عصام كامل

في مئوية فوزي.. للبساطة فنان!


بخلاف نجوم الموسيقى والغناء ممن عملوا في السينما نجد الفنان الراحل محمد فوزي الأكثر بساطة في القيام بأدواره وبطولة أفلامه.. التلقائية بغير حدود عنوان الأداء.. سواء في "الآنسة ماما" أو "دايما معاك" وهو في صاحبة العمارة كما هو في "ليلى بنت الشاطئ" و"حسن ومرقص وكوهين" و"ثورة المدينة".. حتى إنه ربما الوحيد الذي تنسى الشخصية التي يقوم ببطولتها وتجد نفسك على الدوام أمام محمد فوزي نفسه.. لشخصه.. وليس اسمه ولا دوره في الفيلم الذي تشاهده!


البساطة في الأداء انتقلت من البساطة في الشخصية نفسها.. التي انعكست أيضا على ألحانه وأغانيه.. من التطور الذي أحدثه واستمر مع منير مراد حتى تسلمه وطوره بليغ حمدي إلى العالمية في الألحان مثلما حدث مع "يا مصطفى يا مصطفى" إلى أيضا أغنية الأطفال.. التي تعيش حتى اليوم وكأنها أنتجت أمس!

كل ما سبق ليس إلا انعكاس لشخصية فوزي ذاتها.. البسيطة العفوية.. الطيبة الإيجابية.. قصتين نعرفهما.. الأولى للشاعر الغنائي الكبير صلاح فايز.. ضابط يبدأ حياته يقف في كمين ثابت أمام منزله يستوقفه ليبلغه أنه يكتب شعرا يصلح للغناء.. لم يتكبر ولم يتهرب ولم يماطل ولم يتأفف.. بل طلب منه نموذجًا مما يكتب فكانت "بعد بيتنا ببيت كمان" الشهيرة التي لحنها فوزي على الفور وتكون أغنية في أحد أفلامه وبعدها "يا ولاد بلدنا يوم الخميس" ويكبر صلاح فايز ليكون أحد أهم كتاب الأغنية العربية ويبلغ رصيده منها الـ700!!

وببساطة يترك ملحن صغير في السن في غرفة الاستقبال ويترك أغنية ككان يلحنها لأم كلثوم.. ويذهب ليلتقي ضيفا آخر ليعود ويجد ضيفه الشاب قد لحن أول مقطع في الأغنية.. لم ينزعج ولم ينفعل بل شجعه وترك له الأغنية رغم أنها كانت حلم حياته وكان الملحن هو بليغ حمدي والمطربة هي أم كلثوم والأغنية هي "أنساك" والحلم هو أن يلحن فوزي لأم كلثوم.. ولم يتحقق الحلم!

تجاوز-وعلى عكس ما يشاع من عدد كبير من المدعين- لازمته الخاصة بعد تأميم مصنع الأسطوانات الغنائية عام 1961 بعد صدور القرارات الاشتراكية.. لم يكن هناك موقف ضد محمد فوزي على الإطلاق وكل القصة أن القوانين الاشتراكية كانت تضع ضوابط مشددة على عمل القطاع الخاص منها أن لا ينتج سلعة احتكارية لا ينتجها غيره.. أو يبلغ عدد العمال عددا محددا بما يشكل خطرا على مستقبلهم..

وتم تأميم كل من انطبقت عليه الشروط بغض النظر عن موقف أو مهنة أو نفوذ صاحبها.. إلا أن فوزي هو نفسه الذي غنى للاشتراكية بعد عامين بل وبعد التأميم بشهرين حدث الانفصال مع سوريا فغنى "يا أخي.. يا أخي يا ابن أبي.. يا شقيقي العربي.. انت مني انت بي.. دمك الحر الأبي"..

وغنى أيضا بعد الوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا والعراق "عالم ثوار.. عالم أحرار.. بـ3 نجمات.. صبحوا أخوات.. في الزحف العربي للوحدة.. سوري وعراقي مع المصري".. وهو من غنى أيضا "كان وإن.. إن وكان.. ذهب الماضي كأنه ما كان.. وجه الحاضر عز حمانا.. والمستقبل بقى ويانا.. صبح الماضي في خبر كان.. كأنه ما كان كأنه ما كان.. كان وإن إن وكان".. وغيرها من أغاني الثورة!

رحم الله محمد فوزي.. رحل عن 48 عاما من عمره عام 1966 بعد أن ولد في الـ15 من أغسطس عام 1918 فكانت ذكراه المائة أمس.. لكنه رحل تاركا تراثا غنائيا وموسيقيا وسينمائيا هائلا يندر أن يتوفر لفنان واحد بالشكل الذي نعرفه وبالروح التي عرفناها.. فكانت سيرته بشقيها الخاص والعام عطرة طيبة وعلى أروع وأجمل ما يكون.. رحمه الله.
الجريدة الرسمية