خطايا الصحافة المطبعية!
في نعي إحدى الصحف اليومية للمفكر الكبير "سمير أمين" كُتبت بعد كلمات الإشادة به أنه أحد أعلام مدرسة التبعية!.. وواضح بالطبع لمن يقرأ خبر النعي أنها كانت تقصد أن الرجل يعد أحد أعلام مدرسة مناهضي التبعية.. وسقوط كلمة واحدة حول المعنى إلى النقيض.. وهذه واحدة من أخطاء صحافتنا الشهيرة والقديمة.. وكثيرون من كبار صحفيينا عانوا من هذه الأخطاء المطبعية، وتحدثوا عنها، لدرجة أن أحدهم، وهو أستاذنا أحمد بهاء الدين، الذي تعلمت منه فن كتابة العمود الصحفي والمقال القصير، اعتبر هذه الأخطاء قدرا محتوما لا فكاك منه!
غير أن هذه الأخطاء المطبعية تحولت مؤخرا من كثرة تكرارها وفداحتها إلى مرتبة الخطايا.. حيث تضمنت سبا وقذفا وتجريحا وإهانة لبعض الرموز، وأيضًا أسهمت في ترويج مقولات جماعة الإخوان الإرهابية أحيانا أخرى.. وقد أثار ذلك الشكوك في أن تكون هذه الأخطاء المطبعية متعمدة وبفعل فاعل، على غرار ما ذهب إليه بعضهم في تفسير ذلك الخطأ الشهير حول مانشيت إحدى الصحف اليومية الذي لم يفصل بين عنواني: (مصرع السفّاح) و(عبدالناصر في يوغسلافيا)، وهو الخطأ الذي اعتبره هؤلاء السبب المباشر في إصدار ناصر قراره بتأميم الصحافة بعدها.
أيًا كانت التفسيرات فإن كثرة وتكرار هذه الأخطاء، وتحولها إلى خطايا يشير إلى أن صحافتنا في أزمة حقيقية حادة لن يفيد فيها مجرد رفع أسعار بيع الصحف والمجلات، لأنها ليست أزمة اقتصادية فقط وإنما هي أيضا أزمة إدارية، وقبل ذلك أزمة مهنية، وتحتاج هذه الأزمة الثلاثية الأبعاد لجراحة عاجلة يجريها جراح ماهر فاهم، والأهم تحتاج لرغبة حقيقية لإجراء هذه الجراحة، لأن المسكنات هنا لا تفيد، بل لعلها ضرت وما زالت تلحق الأذى بصماتنا، خاصة القومية.