رئيس التحرير
عصام كامل

مسلسل انحدار الاقتصاد التركي.. كيف وقع أردوغان تحت رحمة ترامب؟

 الرئيس رجب طيب أردوغان
الرئيس رجب طيب أردوغان والرئيس ترامب

تركيا قوية كيف تنهار اقتصاديا بهذا الشكل خلال أيام؟ سؤال بات يسيطر على المتابع للأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تضرب أنقرة.. خاصة أن الرئيس رجب طيب أردوغان، تبنى خطاب المؤامرة موجها الاتهام إلى أمريكا، ومعولا على تغريدة نظيره دونالد ترامب حول رفع الرسوم الجمركية على المعادن التركية، عقب الأزمة الدبلوماسية المندلعة على خلفية اعتقال أنقرة للقس الأمريكي، آندرو برانسون.


بداية الانحدار
بداية انحدار الاقتصاد التركي وانهيار العملة المحلية، ليست وليدة اللحظة كما يعتقد البعض، ولا يملك ترامب عصا سحرية قادرة على تحريك سهم الدولة التركية في بورصة العالم.

ولعل أبرز ما كتب في تفسير مسلسل الانحدار، ما أورده الكاتب التركي «سيركان دمرتاش» في مقال له، إن تركيا لم تعد دولة ذات حظوظ للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لأنها تخلت عن الإصلاحات الديمقراطية، فيما تدهورت صورتها في الخارج بشكل كبير، واتخذت نهجًا تصادميًا مع العديد من الدول والمؤسسات الغربية البارزة.

قطاع التشييد والبناء
دمرتاش يري، أنه على الصعيد الاقتصادي، فقدت تركيا فرصة كبيرة خلال العقد الماضي من خلال تفضيل النمو الاقتصادي قصير المدى عبر تعزيز قطاع التشييد والبناء، وتم إنفاق مليارات الدولارات على مشاريع بناء ونقل ضخمة، في حين تمت خصخصة عشرات المصانع التي تديرها الدولة وإغلاق مشاريع أخرى، غير أن ذلك لم يفعل سوى القليل لتحسين الإنتاجية، وهو المصدر الرئيسي للنمو الاقتصادي على المدى الطويل، وارتفاع مستويات المعيشة.

ديكتاتورية الحكم
معتبرا، أن نقطة التحول الأبرز التي أدت إلى هذا التغيير الحاد للمسار، تمثلت في استبدال نظام الحكم، حيث باتت تركيا فعليًا تحت حكم نظام رئاسي يسيره أردوغان، الذي ظفر بولاية رئاسية "بحلة جديدة" عقب انتخابات 24 يونيو، في وقت غالبًا ما ينظر إلى النظام الرئاسي من قبل الغرب كمقدمة لترسية «نظام الرجل الواحد».

مركزية القرار
لافتا إلى أن المشكلة تكمن في كون هذه الآلة الحكومية الجديدة شديدة المركزية لا تزال في طور التشكل، ما زرع الكثير من الشكوك حول كيفية عملها، وما إذا كانت ستتمكن فعلًا من حل المشكلات الاقتصادية والسياسية والأمنية الحالية.

والواضح لحد الآن أن النموذج الجديد فشل في إقناع الأسواق الدولية بشأن مستقبل الاقتصاد التركي، وإيجاد الحلول الدبلوماسية الضرورية لأزمة ثنائية قائمة مع الولايات المتحدة. هذا الفشل قصم ظهر العملة التركية وأدخلها في موجة هبوط مستمر، مع غياب إشارات مقنعة على أي تعافٍ قريب.

سقوط الليرة
وبحسب الخبراء يعتبر عامل الثقة أساسيًا في دعم أداء العملة، ما يجعل أي ضربة خارجية كـ«رسوم ترمب» محدودة التأثير. والدليل على ذلك ما حدث لليورو واليوان عقب فرض القيود الجمركية الجديدة من قبل الإدارة الأمريكية، فلم تشهد العملتان سقوطًا حرًا كالذي عاشته الليرة خلال ساعات قليلة فقط من خطاب لأردوغان وتغريدة لترامب يوم الجمعة الماضي، الذي فقدت فيه 18%.

ومنذ بداية العام، خسرت الليرة التركية أكثر من 40% من قيمتها، فيما ارتفعت تكلفة التأمين على الديون التركية إلى أعلى مستوياتها منذ 2009، في ظل تدافع شديد لبيع الليرة والسندات السيادية والمصرفية التركية، ما جعلها تتخطى تكلفة التأمين على ديون اليونان التي شهدت أسوأ أزمة مديونية إبان الأزمة العالمية

الديوان الخارجية
وتقدر ديون تركيا للبنوك الأجنبية بنحو 224 مليار دولار، وفقًا لبيانات البنك الدولي للتسويات، بينما كشفت بيانات المركزي التركي بلوغ العجز مستوى قياسيًا في الربع الأول من العام الحالي بلغ 96% على أساس سنوي.

تعاني تركيا من عجز في ميزان تجارتها الخارجية، فوارداتها أكثر من صادراتها، ما يعني أنها تنفق أكثر مما تكسب. والعجز يجب أن يُمول إما من استثمارات أجنبية أو بالاستدانة. ولا يعتبر هذا بحد ذاته غريبًا أو خطيرًا، لكن العجز لدى تركيا أصبح كبيرًا جدًا فقد بلغ 5.5% من الدخل القومي أو من إجمالي الناتج المحلي العام الماضي.

هناك مظهران للدين الخارجي في تركيا زاد من ضعف اقتصادها، الأول أن لديها مستوىً عاليًا من الديون بعضها مستحق الدفع في القريب العاجل بالإضافة إلى الديون الجديدة، وهذا يعني بلغة السوق المالي أنه يجب إعادة تمويل الدين. وتقدر وكالة تقييم الاستثمار "فيتش" أن الحاجة المالية الكلية لتركيا هذا العام ستبلغ ما يقارب 230 مليار دولار.

المظهر الثاني يتمثل في استدانة الكثير من الشركات التركية بالصرف الأجنبي، وتُعد هذه القروض أكثر تكلفة عند إعادتها في حال انخفضت قيمة العملة المحلية وهو ما حدث بالفعل.

كما صعّد ضعف العملة مشكلات التضخم المُلحّة في تركيا، فكلما ضعفت قيمة الليرة زادت تكلفة الواردات.

وكان لدى المصرف المركزي هدف في الحدّ التضخم إلى 5% العام الماضي، لكن التضخم كان أكثر من ذلك بكثير نحو 10%. ومنذ ذلك الوقت تراجع الوضع خاصة مع غلاء الأسعار التي زادت بمعدل سنوي يبلغ قرابة 15%.

مستثمرو السوق المالي قلقون كذلك من آراء الرئيس أردوغان حول السياسة الاقتصادية والضغط الذي اعتُبر أنه يمارسه على المصرف المركزي لبلاده.

هنالك خيار واضح أمام المصرف المركزي الذي يريد أن يتحمل التضخم وهو رفع معدلات الفائدة. وهذا يمكنه أن يحدّ من التضخم بطريقتين، إما بإضعاف الطلب في البلاد، أو من خلال رفع العوائد المالية في تركيا والتي ستشجع المستثمرين للشراء بالليرة، مما يقوي العملة ويخفض تكلفة الاستيراد.

وقد قام المصرف المركزي التركي بخطوات مشابهة، لكن دون تأثير ملموس أو وصول إلى حل للمشكلة.

أما البطالة فارتفعت في تركيا -أحدث الأرقام هي نسبة 9.9%- لكنها بقيت مستقرة نسبيًا.

ويُعد الاختلاف الوحيد الهام بين الأزمة الاقتصادية الحالية في تركيا بالمقارنة مع أزمة البلاد في بداية القرن أنه لا يوجد الآن هدف لقيمة التبادل خلافًا لعام 2001.

إذ فرضت تركيا في حينها الضغط على أسواق العملة للتخلي عن أهدافها المعتادة، أما هذه المرة فلا يوجد مُحدّد لقيمة العملة، فسمح ذلك بكل بساطة لليرة بالتراجع.

النمو بأي ثمن
يقول العديد من المستثمرين إن الاقتصاد التركي الذي يبلغ حجمه 900 مليار دولار، كان يتجه بالفعل نحو الهاوية حتى قبل القرار الأمريكى بمضاعفة الرسوم على صادرات تركية، فسنوات من الانحياز لسياسة "النمو بأي ثمن" جعلت شركات البلد مثقلة بديون بمئات المليارات من الدولارات، وأطلقت العنان لتضخم جامح بلغ 15%، كما خلفت عجزًا في الحساب الجاري من ضمن الأكبر عالميًا تمت تغطيته بتعظيم الاستدانة.

دورات الانتخابات
وتعقيبًا على ذلك، تقول وكالة معدلات الاستثمار "مووديز" إن النمو الاقتصادي التركي ارتفع إلى مستويات غير مستدامة من خلال الإنفاق وسياسات الضرائب.

أما السياسات طويلة الأمد، فقد تم تنحيتها بسبب التركيز على الدورات الانتخابية حسبما تقول الوكالة. ومن جهتها، تحذر وكالة "فيتش" من المخاطرة بانحدار اقتصادي كبير يؤدي إلى تباطؤ حاد أو حتى حالة كساد.
الجريدة الرسمية