رئيس التحرير
عصام كامل

من هدي النبوة (2)


عزيزي القارئ توقفنا في المقال السابق عند شرح الشطر الأول من وصية الرسول الكريم عليه وعلى آله الصلاة والسلام وهو قوله.. (أحكم السفينة فإن البحر عميق)، ونستكمل شرح باقي الوصية في هذا المقال، ولنبدأ بقوله عليه الصلاة والسلام.. (واستكثر من الزاد فإن السفر طويل)..


وفي هذا الشطر من الوصية المحمدية يحثنا الحبيب ويوصينا أن نستكثر من الزاد في رحلة إقبالنا على الله تعالى، التي بدأت منذ لحظة الميلاد وتستمر إلى الوفاة والوقوف بين يدي الله تعالى في الآخرة للحساب، وهي رحلة مرتبطة بعمر كل إنسان منا، والزاد المشار إليه في الوصية هو.. تقوى الله عز وجل لقوله سبحانه: "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى"..

والتقوى كما عرفها الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه هي أربع.. العمل بالتنزيل، أي بكتاب الله تعالى وهدي نبيه.. والخوف من الجليل.. سبحانه، والرضا بالقليل من الرزق.. والاستعداد ليوم الرحيل.. يوم الوفاة.. هذا ومعلوم أن اطمئنان قلب المسافر يكون على قدر ما يملك من الزاد، وكلما زاد الزاد زاد اطمئنانه.

والإنسان منا منذ لحظة ميلاده إلى أن يتوفاه الله وإلى أن يبعث يوم القيامة هو في رحلة سفر وهي رحلة طويلة يلزمها من الزاد الكثير والكثير.. ثم يأتي الشطر الثالث من الوصية وهو قوله عليه الصلاة والسلام (وخفف الظهر فإن العقبة كئود)، والمراد بتخفيف الظهر من مظالم العباد وظلم الإنسان لنفسه بتقصيره في الطاعات ووقوعه في المعاصي والمخالفات، فكل ذلك أحمال يحملها الإنسان على ظهره أثناء إقباله على ربه وآخرته..

والعقبة الكئود هي الطريق المرتفع القائم الزاوية غير المستوي الذي يصعب صعوده دون حمل أثقال فكيف إن كانت هناك أحمال وأثقال.

لا شك أنه كلما زادت الأحمال كلما كان الإنسان قريبا للسقوط والهلاك.. هذا ومعلوم أن الظلم ظلمات يوم القيامة كما جاء في الحديث وهو لا شك مهلك لصاحبه... هذا وفي الشطر الأخير من الوصية وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (واخلص في العمل فإن الناقد بصير)..

فيه نصح وبيان أن الأعمال تعرض على الله تعالى وهو الذي لا تخفى عليه خافية سبحانه وأنه تعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما كانت خالصة لوجهه الكريم، وهي التي لا رياء فيها ولا سمعة ولا رؤية للنفس ولا انتظار للمدح والثناء من الناس، إنما يرجو فيها وجه الله تعالى.

هذا ولقد أمرنا الله تعالى في قرآنه العظيم بذلك حيث قال تعالى: (ألا لله الدين الخالص)، وقوله سبحانه: (اعبدوا الله مخلصين له الدين)، وقوله تبارك في علاه: (وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى)...

عزيزي القارئ كانت هذه الإطلالة السريعة حول بعض المعاني في الوصية النبوية الكريمة: (أحكم السفينة فإن البحر عميق.. واستكثر من الزاد فإن السفر طويل.. وخفف الظهر فإن العقبة كئود.. وأخلص في العمل فإن الناقد بصير).. وفي الختام ما أعظم هدي الحبيب وما أجل نصحه الكريم عليه الصلاة والسلام..

ولا ينقصنا سوى الأخذ بهديه والتمسك به، هذا ولن ينصلح حال الأمة وتعود إلى ما كانت عليه من عزة ومهابة وقوة وكرامة وتماسك إلا إذا رجعنا لمنهجنا العظيم وعملنا بما فيه من هدى، ولنتذكر أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، هدانا الله وإياكم إلى سبيل الرشاد.
الجريدة الرسمية