رئيس التحرير
عصام كامل

حكايات من دفتر تشريد سكان الحزام الأخضر.. مسئولو برج العرب حولوا المنطقة إلى أطلال.. محافظ الإسكندرية: أراضي الدولة ومن حقنا استردادها وهناك مأجورون لإثارة الفتنة

فيتو

ما إن تطأ قدماك “نجع أبو نوارة” في منطقة الحزام الأخضر بالإسكندرية، حتى يتسرب لك إحساس وكأنك تتجول في قرية دمرتها الحروب، أطلال المنازل المهدمة في كل مكان، والأثاث المحطم يغلق الشوارع، والكثير من البشر صنعوا لأنفسهم خياما من القماش يحتمون بها من أشعة الشمس الحارقة.. بعضهم جلس على أطلال منزله يندب حظه والبعض الآخر يحمل في يده أوراقا تثبت ملكيته للمنزل الذي تمت إزالته بدعوى أنه مخالف.. “فيتو” تجولت في المنطقة واقتربت من بعض الأهالي واستمعت لتفاصيل المأساة التي يعيشون فيها.


بكلمات تملؤها الحسرة والألم سرد عصام محمود، أحد الأهالي المتضررين من هدم منازلهم، حكايته قائلا: “قبل سنوات طويلة سافرت إلى مالطا وعملت هناك حتى جمعت مبلغا من المال هو “تحويشة العمر”، ثم قررت العودة للاستقرار في بلدى وإنشاء مشروع يدر عليّ دخلا أعيش منه..

ومنذ عشر سنوات استقر بى المقام في “كفر أبو نوارة” بمنطقة برج العرب في الإسكندرية، وبدأت في اتخاذ إجراءات تقنين قطعة أرض للبناء عليها وحصلت على موافقات مبدئية من جهازى مدينتى برج العرب القديمة وبرج العرب الجديدة، ومن هيئة التنمية الزراعية بالقاهرة صاحبة الولاية الفعلية على الأرض الواقعة في نطاق الحزام الأخضر، في هذه الأثناء أنشأت منزلا صغيرا ملحقا به مبنى لصناعة الأثاث واستوردت لها آلات بملايين الجنيهات”.

صمت الرجل قليلا قبل أن يضيف: “منذ أيام قليلة فوجئنا بقوات ضخمة من قوات الأمن ترافقها معدات هدم كثيرة ويتقدمهم مسئولو جهاز مدينة برج العرب، وبدءوا في إخراج الأهالي بالقوة من منازلهم، وألقوا بملابسهم وأثاثهم في الشوارع، وهدموا المنازل الواحد تلو الآخر، حتى حولوا المنطقة إلى أطلال، وخلال ساعات قليلة وجدت نفسى وزوجتى بلا مأوى بعد أن فقدنا كل شيء”.

على بعد خطوات من منزل “عصام” المهدم، جلس رجل شارفت سنوات عمره على الستين وبجواره عكازان يسير بهما نظرا لإعاقته، وقد ارتسمت على ملامحه علامات القهر والبؤس الشديدين.. سألناه عن حكايته فتحدث وهو يغالب دموعه: “اسمى زكى طه وأنا رجل عاجز اشتريت قطعة أرض منذ 7 سنوات من البدو وأقمت عليها منزلا بسيطا أعيش فيه مع أبنائى السبعة (4 بنات و3 أولاد)..

تقدمت لكل الجهات لتقنين أوضاعى واتخذت بعض الإجراءات، إلا أن الحكومة لم تمهلنى الفرصة، وفوجئت بالجرافات تقتحم المنطقة، وألقانى رجال الأمن مع أولادى في الشارع، وهدموا المنزل عن آخره”.. لم يستطع الرجل مقاومة دموعه فانهمرت غزيرة ودخل في حالة بكاء هستيرى وهو يردد: “ما ذنبى حتى ألقى بهذه الطريقة في العراء.. ما ذنب أبنائى كى يعيشوا مشردين بلا مأوى.. كيف سنعيش في هذه الخيمة البالية بلا أي أثاث أو مقومات للحياة؟”.

أما فايز أبو اليزيد – موظف- فيقول إنه يمتلك قطعة أرض مساحتها 300 متر في نجع أبو نوارة، وطبقا للخرائط الموجودة بحوزته فإن النجع ومنطقة الحزام الأخضر كاملة، تقع داخل حدود مدينة برج العرب القديمة، وتؤول الأراضى بتلك المنطقة والتي تقدر بأكثر من 47 ألف فدان بها أكثر من 40 نجعا، لهيئة التنمية الزراعية ومقرها الرئيسى الدقي، ولكن أطماع جهاز مدينة برج العرب الجديدة دفعت رئيسها لقيادة حملة ضخمة لهدم منازل أكثر من 23 أسرة كبداية للاستيلاء على باقى الحزام الأخضر، تمهيدا لإنشاء هايبر ماركت وحديقة أسماك وحديقة حيوان، وفندق، ومدينة معارض ومنتجع رياضى وترفيهي، وملاعب جولف، وغيرها من المشروعات، على حساب آلاف الأسر من قاطنى المنطقة سوأ من أهل الحضر أو البدو السكان الأصليين.. وأضاف أنه فتح ملفا لتقنين أوضاعها في هيئة التنمية الزراعية بالدقى، ودفع 1000 جنيه رسوم بالإيصال رقم 881، وأشار إلى أنه طبقا لكتاب رئاسة مجلس الوزراء بتاريخ 1 فبراير 2018 برقم 2203-3، فإنه لا يجوز هدم منازل عملا بأحكام القانون رقم 148 لسنة 2006 –وفقا لكلامه-.

وسط هذا المشهد المأساوى برز الطفل “آسر كريم” ذو السنوات الخمس والذي انتشرت له صور وهو يجلس وحيدا باكيا على أطلال منزله المتهدم.. انتقلنا إلى مكانه في منطقة المسلة التي تبعد عن نجع “أبو نوارة” بنحو 2 كيلومتر، وتحدثنا مع الطفل الذي قال بعفوية: “اقتحموا حجرتى وحطموا ما بها من أثاث وكسروا لعبى، واقتادونى مع والدتى وجدى ووضعونا في سيارة شرطة وانطلقوا بنا إلى القسم.. بعد فترة قصيرة أخرجونى أنا فقط وأعادنى أحد الأشخاص إلى المنزل لأفاجأ به وقد تحول إلى كومة تراب فجلست أبكى على أطلاله”..

التقط الجد “محمود عبد الحق” طرف الحديث قائلا: “حضرت القوات إلى المنزل المكون من طابقين وملحق به جراج وبرجى حمام، وحوله أرض مساحتها 5 أفدنة بمنطقة المسلة، وتم تكبيلى ومنعى من الكلام عندما أخبرتهم بأننى أقنن حاليا وضع الأرض ولدى كل الأوراق والمستندات الدالة على ذلك، وأننى فتحت ملفا في جهاز مدينة برج العرب القديمة التي تتبعها المنطقة بتاريخ 6 أغسطس 2017 ومن قبل في 2006، ثم اقتادونى مكبل اليدين إلى قسم الشرطة مع باقى أفراد أسرتى ومنهم زوجتى المريضة والتي ترقد حاليا في أحد المستشفيات بسبب ما تعرضت له، ثم ألقوا أثاث المنزل في الشارع ومزقوا أوراقا كثيرة ظنا منهم أنها خاصة بتقنين الأرض”..

وأضاف: “طبقا للأوراق التي بحوزتى فإن وضعى قانوني، فأنا تقدمت لتقنين وضعى لهيئة التنمية الزراعية تحت رقم 25338 بتاريخ 7 يونيو الماضي، وهى الهيئة صاحبة الحق الأصيل للتعامل على الأراضى وليس مدينة برج العرب الجديدة أو حتى القديمة، ورغم ذلك تقدمت بتاريخ 12 مارس 2018 بطلب لتقنين وضعى لجهاز مدينة برج العرب الجديدة، وجاءت معاينة، واطلعت على الخرائط وعلى الأرض المنزرعة، وطبقا لتصريحات المسئولين فإن كل هذا يمنع الإزالة ولكن ما حدث خلاف كل التصريحات”.

على جانب آخر.. أكد محافظ الإسكندرية الدكتور محمد سلطان، أن أراضى الحزام الأخضر ببرج العرب، هي أملاك للدولة، وهدم عدد من المنازل جاء تنفيذا لتوجهات الدولة في استعادة أراضيها، خاصة مع عدم تقدم أحد لتقنين أوضاعه بجهاز مدينة برج العرب، وبيع الأراضى من الباطن وقال: “هناك بعض الأشخاص مستأجرين يهدفون لإحداث فتنة وتصوير الأمر على أنه اعتداء عليهم وعلى أراضيهم على خلاف الحقيقة.. وحاليا يتم بحث الحالات بدقة للتأكد من سلامة إجراءات الإزالة”، لافتا إلى أنه أمر بعدم التعدى على الأشخاص أو نزع الأراضى المزروعة، أو التي تم فتح ملف لتقنينها.

أما النائب رزق راغب عضو مجلس النواب عن دائرة برج العرب فأكد أنه مع المواطنين ولكن في نفس الوقت لا يجب التعدى على أراضى الدولة ووقف مشروعاتها، لافتا إلى أن سكان المنطقة الأصليين لن يمسهم أحد وعليهم أن يقننوا وأضاف أنه يتابع الموقف وهناك لجنة شكلها محافظ الإسكندرية لبحث أوضاع من هدمت منازلهم وإن كان هناك خطأ سيعاد الحق لأصحابه ومحاسبة المخطئ.

"نقلا عن العدد الورقي"..
الجريدة الرسمية