«ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا»
تخيلوا أننا وبعد ألف وأربعمائة عام كاملة من نزول آية في كتاب الله العزيز تقول "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا"، والكلام عن النفس البشرية ثم نجد من يجادل في مشروعية نقل الأعضاء!
النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق.. والحق هو القصاص ثم يكافئ من يحييها أنه كمن أحيا كل الناس.. وإن كان ذلك تحفيزا وتشجيعا لعموم الناس فكيف يقوم بها غير المقاتل؟ وكيف يقوم بها غير الحاكم الذي بيده أمر الناس؟ يحييها طبعا وبغير تفكير كل من يملك أن يحييها..
الطبيب صاحب الضمير الذي يقضي وقته في مهمته لا ليُمارس وظيفة إنما ليمارس الإنسانية.. ويحييها من يعفو عند قدرته في دم أو ثأر.. ويحييها من يمهد الطرق ويمنع الحوادث.. ويحييها من يقتل الفتن بين الناس خشية اقتتالهم فيتدخل بحكمته لينقذ الأمر حتى إن الصلح بين الناس من بين ما يباح فيه المبالغه في الكلام حتى لو كان غير حقيقيا وذلك تقديرا من الشرع للمهمة المقدسة التي يقوم بها!
ويحييها قطعا من يتبرع بأعضائه لغيره بعد مماته ينتفع بها ويحي نفسا ويكون جزاؤه كمن أحيا كل البشرية.. ويقول الحسن البصري "كمن قتل الناس جميعا" وزرا "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا" أجرا..
وهنا ستجد أهل الجدال.. أولها أن الآية نزلت في بني إسرائيل.. وبعيدا عن القول إن العبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب نقول ابن عباس وابن جرير وغيرهم قالوا إنها لنا جميعا.. وسيقولون: كيف يتبرع إنسان بما لا يملكه؟ ونقول: إنه ملك الله يذهب إلى ملك الله.. وسيقولون: وكيف نقبل بالعبث بجسد من رحل؟ ونقول: الأجساد كلها من تراب وإلى تراب ولا يتبق من الدنيا إلا الروح وبها من حياة الممر إلى حياة المقر!
للأسف لا حل إلا بتجديد الفقه.. لا حل إلا بتجديد الخطاب.. لا حل إلا بتجديد العقل نفسه الذي يحفظ ولا يفكر.. ينقل ولا يتدبر!