رئيس التحرير
عصام كامل

من هدي النبوة


مما لا شك فيه أن الله تعالى اصطفى للرسالة الخاتمة، وهي خير وأكمل وأتم رسالة وهي رسالة الإسلام اصطفى لها خير نبي ورسول ختم به الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وجعله لهم إماما وسيدا وقائدا لركبهم الكريم.
 ولا شك أنه عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتم السلام قد أدي أمانة الرسالة والتبليغ، كما يجب أن تؤدى، ونشهد لحضرته بأنه قد أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح للأمة وكشف الغمة، وقد تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. فاللهم أجزه عن الأمة خير ما جازيت نبيا ورسولا عن أمته.


هذا.. ولقد ترجم لنا عليه الصلاة والسلام أخلاقيات الرسالة بما فيها من مكارم وفضائل وقيم إنسانية نبيلة ومبادئ راسخة قويمة قولا وفعلا وسلوكا وعملا، وكان بحق كما وصفته أمنا الكريمة السيدة عائشة رضي الله عنها بأن خلقه القرآن، وكما وصفه صحابته الكرام بقولهم: كان قرآنا يمشي على الأرض..

هذا، ولم يترك لنا في هديه القويم وسنته الرشيدة شيئا كبيرا ولا صغيرا يقربنا إلى الله تعالى، ويسلك بنا طريق السلامة والنجاة والفوز والسعادة في الدنيا والآخرة إلا ودلنا عليه، وأرشدنا إليه ورغبنا فيه، وكان سالكا له من قبل، وكذلك لم يترك لنا عليه الصلاة والسلام كبيرة ولا صغيرة تؤدي بنا إلى الضياع والهلاك والخسران في الدنيا، وسوء المآل في الآخرة، إلا بينها لنا ونهانا عنها وحذرنا منها وكان منتهيا عنها قبل ذلك.

هذا وإذا أمعنا النظر في هديه القويم وسنته الرشيدة بما فيها من توجيه ونصح وإرشاد سواء كان قولا أو فعلا أو تقريرا لوجدنا أنوار الهداية والرشاد تشع من كل ناحية، في قوله ونصحه ووصاياه وعمله.

هذا، ولم يبخل صلى الله عليه وسلم على أمته بل على البشرية جمعاء بنصح وتوجيه وبيان وتوضيح وإرشاد، فكم من الوصايا الغالية العظيمة التي أوصانا بها وحثنا عليها، ومن بين هذه الوصايا المحمدية الغالية أقدم لك عزيزي القارئ هذه الوصية الجامعة لأسباب السلامة والنجاة من فتن الدنيا، والتي رواها لنا الصحابي الجليل سيدنا أبا ذر الغفاري، والتي يقول فيها.. أوصاني خليلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع هن أحب إلى من الدنيا وما فيها قال: (ياأبا ذر أحكم السفينة فإن البحر عميق.. واستكثر من الزاد فإن السفر طويل.. وخفف الظهر فإن العقبة كئود.. وأخلص في العمل فإن الناقد بصير.)..

في هذه الوصية الجامعة لأسباب السلامة والنجاة والفوز والسعادة في الدنيا والآخرة نشاهد عظمة التعبير وقوة البلاغة والفصاحة، ولنطف حول بعض المعاني والصور الجمالية في هذه الوصية الكريمة، في الشطر الأول منها قال.. أحكم السفينة فإن البحر عميق.. شبه صلى الله عليه وسلم الإنسان منا في رحلة ارتحاله وإقباله على الله تعالى بالسفينة المبحرة في البحر العميق متلاطم الأمواج.

وشبه الدنيا بما فيها من فتن ولهو وغرور وزينة وابتلاءات بالسفينة المبحرة ولنجاتها وسلامتها ووصولها إلى بر الأمان لابد من إحكامها.. ومعلوم أنه لابد لأي سفينة مبحرة من ربان وقائد وعمال وبوصلة ترشدها في طريقها... والربان في مملكة الإنسان هو القلب وإحكامه يكن بإسقاط العلائق والأغيار منه، وخلوه من حب الدنيا فهي رأس كل خطيئة، ومن الكبر والحقد والحسد ومن كل ما سوى الله تعالى.

وقائد السفينة هو العقل وإحكامه بمخالفة هوى النفس وعدم اتباعه للشهوات، وحث صاحبه على الطاعة والاستقامة.. وعمال السفينة هي الجوارح ولكل جارحة منها إحكام فإحكام العين الغض عن المحرمات والمحارم، وإحكام الأذن تجنب التجسس والتصنت واستماع الغيبة والنميمة.. وإحكام اللسان إمساكه عن شهادة الزور والغيبة والنميمة والقول الفاحش البذئ واشتغاله بذكر الله والقول الطيب والنصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..

وإحكام الأيدي ألا تسرق ولا تبطش ولا تمتد إلى ما حرم الله عز وجل وألا تؤذي بأي شكل من الأشكال.. وإحكام الصدر ألا يحمل غلا ولا حسدا ولا حقدا ولا كراهية لأحد، وأن يكون صدرا سليما صافيا مملوء بالحب وتمني الخير لكل الناس.. وإحكام البطن بتجب المطعم الحرام أو الذي فيه شبهة.. وإحكام الفرج بإمساكه عن الزنا.. واللواط.. وإحكام القدم بإمساكها عن خطوات المعصية والسوء..

هذا وقلنا أنه لا بد من البوصلة التي يقود بها قائد السفينة سفينته، فبها يعلم ويحدد الاتجاهات، وهي إشارة إلى كتاب الله تعالي بمنهجه العظيم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم الرشيدة، فهما بما حويا من أسباب الهداية والسلامة والنجاة والفوز والسعادة.. هذا شرح باختصار للشطر الأول من الوصية النبوية الكريم.. أحكم السفينة فإن البحر عميق.. ونستكمل شرح الوصية بمشيئة الله تعالى في المقالات التالية.. نفعني الله وإياكم بوصايا الهادي البشير السراج المنير ونصلى عليه وعلى آله الصلاة والسلام..
الجريدة الرسمية