الأوامر المنسية من القرآن! (15)
ونستمر في رحلة التفتيش في أوامر آيات القرآن الكريم التي تجاهلها البعض رغم أنها دستورية سماوية تنظم علاقات الناس ببعضها في المجتمع، وانحصر اهتمامهم في آيات العبادات والشعائر فقط..
نتوقف عند قوله تعالى في الآية 264 من سورة البقرة "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ" ورغم فعل الأمر الصريح في الآية إلا أن الحرص على العمل به في تراجع.. وقد يتصور البعض أن المن أو الأذى يقتصر على الصدقات المباشرة بتقديم الأموال لكننا نؤمن أن ألفاظ القرآن الكريم عامة وشاملة.. وهي تنهي عن سلوكيات وطِباع سيئة وسلبية من شأنها إرباك العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع وتشويهها..
لذلك فكثيرون يقدمون لغيرهم خصوصا للمحتاجين وضعفاء أعمال طيبة إلا أنهم يفسدونها بما يعقبها من تصرفات.. بعضهم يوفر فرص عمل لهؤلاء أو يسدد عنه دينا أو مصاريف مدرسية أو علاج إلا أنه لا يفوت فرصة إلا ويذكر من استفاد منها بما قدمه ويكون حجم الألم بمقدار الاحتياج للخدمة، فمن "يعاير" أحدهم بعمل وفره له ليأكل من حلال يختلف من يفعل ذلك مع من قدمنا له أموال للعلاج أو لسداد دين وكل ذلك يختلف عمن يفعل ذلك مع من قدم له طعام ليسد جوعه أو ملابس ليستر نفسه أو يستر أبناءه وأسرته!
المن والأذى تصرفات جارحة لا تتفق مع الأخلاق عموما ولا مع صفات الشهامة والنبل بأي حال والمدهش أن الآية تقرر صراحة أن المن أو الأذى يبطلان الصدقة والعمل الصالح والأبطال يجعل الشيء كأنه لم يكن.. وبالتالي ينتصر شيطان الشر من التكبر والاستعلاء والنرجسية وشهوات تعذيب وإذلال الآخرين عن أرباح الصدقات والعمل الصالح وهي عند الله عظيمة وكبيرة..
الآن عليك أن تختار.. أن تربح مع الله أو أن تكون أسيرا للشيطان.. لا ثالث نختاره!