رئيس التحرير
عصام كامل

المُريد وسلوك الطريق


عزيزي القارئ تحدثنا في المقال السابق عن من هو الشيخ المُربي الذي يُقتدى به، وفي هذا المقال نتحدث عن المُريد والأسس التي ينطلق منها في سيره في طريق الله تعالى ولنبدأ بتعريف المريد..


المُريد هو طالب طريق الله عز وجل، المتطلع إلى أن يكون له نصيب وحظ في حضرة القرب من الله، وهو السالك والساعي إلى التدرج في المقامات الإيمانية والوصول إلى مقام الإحسان والارتقاء من مقام الإيمان الغيبي إلى إيمان الشهود، بمعنى أن الأصل في الإيمان هو الإيمان بالغيب كما جاء في قول الله تعالى: (الم (1) ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3))

ثم يلزم المؤمن خط الاستقامة على منهج الله الذي آمن به ويستقيم عليه ويلتزم بتعاليمه وإقامة حدوده وأحكامه مهتديا بهدي رسوله ونبيه، متمسكا بسنته مقيما لها وعلى أثر ذلك يقام في مقام الشهود لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ).

هذا مع التزامه بمجاهدة هوى النفس والسعي في تزكيتها بالاشتغال بذكر الله تعالى ومخالفة النفس والارتقاء بها من صفة الأمارة إلى صفة النفس المطمئنة الراضية المرضية الممنوحة من الله تعالى شرف العبودية، وإذن الدخول والمقام في حضرة القرب، كما جاء في قوله سبحانه: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)).

هذا وفي حديث قدسي جامع لسلوك طريق الله عز وجل، والارتقاء من درجة المحب إلى درجة المحبوب ومن منزلة الطالب والمريد إلى منزلة المطلوب والمراد يقول (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ).

هذا وهناك أسس ثلاثة لا بد لطالب طريق الله تعالى أن تكن متأصلة في نفسه ولا بد له الانطلاق في رحلة إقباله على ربه ومولاه جل علاه منها وهي.. الحب.. الصدق.. الإخلاص.. وفي إطلالة سريعة نلقي الضوء عليها.. الحب هو الأساس الأول والركن الركين في علاقة العبد بربه عز وجل وهو الأصل في اتباع الرسول الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم لقول الله تعالى: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (31))..

هذا ولا قيمة ولا ثمرة لرحلة العبد في إقباله على الله تعالى دونه، وذلك لأنه هو الأصل في علاقته بربه عز وجل كما ذكرنا.. ثم يأتي الأساس الثاني وهو.. الصدق.. ويتمثل في صدق العبد في محبته لربه سبحانه ويجمع فيه أربع هي.. صدق النية وصدق القول وصدق العمل وصدق الحال.. وهو يبدأ بصدق العبد مع نفسه ثم الصدق مع الناس ثم الارتقاء إلى الصدق مع الله.

هذا ومعلوم أن من يصدق الله حقا على الله أن يصدقه، هذا والصدق يهدي إلى البر والبر يصل بصاحبه إلى الجنة كما جاء في الحديث النبوي الشريف.. هذا وأما عن الأساس الثالث وهو الإخلاص هو منحة إلهية وعطاء رباني يوهب ويمنح ولا يحصل بالاكتساب وفي الحديث القدسي يقول جل جلاله.. الإخلاص سر من أسراري أضعه في قلب من أشاء من عبادي لا يطلع عليه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده..

والإخلاص لا حظ للنفس فيه ولا وجود لها، والإخلاص معناه.. قصد وجه الله تعالى في كل ما يصدر من المريد من قول وفعل وعمل. وهو أثقل شيء على النفس الأمارة بالسوء، لأنه كما ذكرت لا حظ لها فيه وهو روح القبول وسر العروج إلى صاحب الحضرة..
الجريدة الرسمية