أبواب مغلقة وشقق خاوية.. «فيتو» في مسرح جريمة طالبة تمريض الأزهر (صور)
خمسة عشر دقيقة هي المدة التي يقطعها السائر في منطقة مساكن "أطلس" الواقعة بالحي العاشر في مدينة نصر بالقاهرة، حتى يصل إلى العقار "57"، أو كما أطلق عليه سكان المنطقة "العمارة المشئومة".
أزقة هادئة وممرات يخيم الصمت على هوائها الحار الثقيل، يتوارى خلفهم "العقار المشئوم" الذي شهد حادث أليم اهتزت له أفئدة سكان الحي الشعبي "الهادئ"، حينما استيقظوا صبيحة مطلع الأسبوع الجاري، على مقتل "أسماء" 21 عاما، طالبة كلية التمريض جامعة الأزهر والقاطنة بالعقار ذاته، على يد سائق توكتوك تسلل إلى الشقة خلسة، ظنا منه أنها فارغة بعد أن نقل الفتيات الخمس اللاتي يشاركنها في السكن بشقة الطابق الرابع لمحل عملهن، لسرقة متعلقات الشقة، فإذا به يفاجأ بها، الأمر الذي دفعه لشنقها بالإيشارب حتى الموت، وسرقة هاتفها المحمول، وفقا لما أكدته النيابة بعد القبض على القاتل.
بمجرد الإمساك بالقاتل واعترافه بجريمته، ظن البعض أن الحادث مر مرور الكرام على سكان العقار 57، ولكن الخوف أصبح لصيقا بهم، أبواب حديدية موصدة بالأقفال الكبيرة، تحجب ورائها باب خشبي محكم الإغلاق بمفتاحه هو الآخر: "إحنا كنا من زمان من وقت للآخر بنقفل الباب الحديد ده علشان المنطقة مش أمان، لكن بعد حادث قتل أسماء، بقوا يتأكدوا إنهم تربسوه قبل ما يخرجوا"، تتحدث داليا 14 عاما القاطنة بإحدى شقتي الطابق الأرضي، بعد أن استغرق الأمر منها بعض الدقائق تتحدث خلف الباب خشية أن تفتحه وتقابلنا مباشرة، حتى فتح الأخ الأصغر الباب، مؤكدا على أن الوالدين يجهزان منذ الحادث لنقل محل الإقامة من العقار المشؤوم إلى مسقط رأسهما بمحافظة المنيا، "إحنا قريب هننقل عيشتنا المنيا ونعيش هناك، وهننقل للمدارس فيها، أبويا خايف نعيش هنا تاني".
تقاطعه داليا شقيقته الكبرى: "فيه نحو خمس شقق بس هما اللي ساكنين حاليا، أنا من بعد الحادث بيوم البنات الماليزيات بدأوا في الخروج من شققهم وتركها، والبنات الخمسة اللي كانوا عايشين معاها مشيوا بعد ما النيابة قفلت الشقة، هما هنا من شهر بس، كان قبلهم في تسع بنات عايشين فيها بما فيهم ندى ابنة صاحب الشقة لكنهم رجعوا بلادهم والشقة أجرتها أسماء وزميلاتها ".
كانت أسماء الطالبة المقتولة هادئة لا تفضل الاختلاط بأحد من السكان عدا والدة داليا والجارة التي تقطن في الشقة المواجهة لها، "كانت بتتعامل معنا إحنا بس علشان كانت بتقلق من السكان علشان أغراب ومن بلاد تانية، كانت بتنزل على العصر شغلها في المستشفى وترجع على الساعة 10 بالليل".
في الطابق الثالث يتوارى "تفسير" الطالب الإندونيسي خلف باب الشقة الخشبي، يجوب الصالة الضيقة الفارغة إلا من بعض صفوف الكتب الدراسية، ينظر إلى الصاعد والهابط على السلم، ثم يعود مرة ثانية إلى كتبه وملازمه، " جئت إلى مصر منذ خمس سنوات لدراسة أصول الدين بالأزهر، لم أشهد حادثا من هذا النوع من قبل، ما جعل الخوف يشككني في كل من يصعد أمامي على السلم أو ينزل منه، لكن ذلك لن يدفعني لترك الشقة سأبقى بها لقربها من الجامعة وبقائي فترة طويلة بها، أنا وزميلي الإندونيسي ورفيق السكن، بتنا نكتفي بإغلاق البوابة الحديدية المثبتة أمام كل شقة، وعدم فتح الباب لشخص إلا بعد التأكد من هويته".
سرعان ما دب الخوف في الطابق الخامس والأخير بالعقار 57، التوجس ينتاب سكان الشقق حينما يدق جرس الباب، "المنطقة هنا كانت معروفة بالسرقة ومش آمنة، إحنا من قبل اتسرقت مننا بطارية عربية نقل نملكها، وعربية ثانية لنا اتكسرت، لكن إنه يحصل قتل ونيابة وتتكهرب العمارة من فوقها لتحتها ده غريب وأول مرة يحصل، لكنه قضاء ربنا وإحنا مش هنسيب شقتنا ونمشي بعد 30 سنة سكن فيها"، يتحدث منصور الثلاثيني ابن محافظة بني سويف الذي يأتي برفقة عائلته كل صيف لقضاء الإجازة بشقتهم في العقار منذ عام 1990: "الشارع الأول مكنش كدة كان من أجمل وأهدأ المناطق في الحي العاشر، لكن البلطجية انتشروا فيها والحال تدهور من وقتها".
لم يكن عمر الفتى العشريني يعلم ما يخبئه القدر وراء باب شقة الدور الرابع الذي وجده مفتوحًا وقت صعوده إلى بيته في الطابق العلوي من العقار، فبعد دقائق من وصوله غرفته سمع صوت استغاثة وعويل، هرول مسرعًا إلى مصدر الصوت، حيث الطابق المذكور ليجد فتاتين إحداهما ملقية على الأرض، والأخري تصرخ بجانبها تحاول إيقاظها بشتى الطرق "لقيت أسماء مرمية على الأرض وصاحبتها واقفة تصرخ حاولت أهديها شوية.. وبعدين بشوف إيه اللي حصل لقيت أثار خنق على رقبتها ولون جسمها متغير وفيه حاجة بتخرج من بوقها، عرفت إنها ماتت وبلغت صحبتها أغمى عليها في الحال وطلبت النجدة".
لم يستغرق الوقت نصف ساعة حتى وصلت قوات النجدة وفريق النيابة والمباحث وما يقرب من 50 ضابطًا وأمين شرطة إلى موقع الحدث، تعاملوا مع الموقف بحزم وحدة بعدها ذهب عمر للإدلاء بشهادته بصحبة بعض قاطني العقار وفور عودته وجد صفحات مواقع التواصل الاجتماعي مليئة بالأخبار الزائفة عن مقتل الفتاة، فما بين رواية، تعدى صاحب العقار عليها جنسيا وقتلها وفراره هاربًا آخرون قالوا إن الفتيات اللاتي يسكن معها هن من تسببن في قتلها بل وعاون القاتل، ليقرر بعدها كتابة منشور على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك يسرد للجمع تفاصيل ما حدث.
تردد قبل كتابته المنشور وبعد تفكير قرر نشر شهادته كاملة بتفاصيلها، وعلى الرغم من وصولها إلى آلاف الأشخاص إلا أن البعض استغلها بطريقة خاطئة وعمل على تحريفها عن طريق نسخ وتبديل بعض الحقائق الثابتة "المنشور وصل لناس كتير ومع ذلك في ناس كتير على جروبات الأزهر ومنتدياتهم وناس على صفحات وجروبات تانية استغلوه غلط".
منذ أربع سنوات حصلت الضحية "أسماء الرفاعي" ابنة قرية "الخواجات" التابعة لمدينة دكرنس بالدقهلية، على مجموع 91% بالثانوية العامة، أخبرت والديها برغبتها في الالتحاق بكلية التمريض: "والدي معترضش طالما هي كلية تابعة لجامعة الأزهر، لذلك وافق إنها تستقر وتدرس وتشتغل في مصر، طالما هتكون في الأزهر وهتداوم على حفظ القرآن، أنا أيضا التحقت بكلية الدراسات الإنسانية جامعة الأزهر"، تتحدث آلاء الرفاعي الشقيقة الوسطى لأسماء، مضيفة: "أسماء حافظة القرآن من وهي في الإعدادية، ورغبتها في العمل مع الدراسة لأنها كانت بالسنة الأخيرة، هي اكتساب المهارات والاختلاط بالأطباء والمرضى الأجانب لتقوية اللغة الإنجليزية عندها، لأنها كانت بتحبها جدا".
مقتل الشقيقة الكبرى ترك أثره ليس فقط في نفس الأسرة ولكن في مجرى حياة الفتيات العملية خلال السنوات المقبلة، "والدي اعترض على عودتي للقاهرة بعدما حدث، خاصة إني كنت عايشة مع أسماء في شقة بالحي السابع قبل ما تنتقل هي من شهر وتستقل بحياتها في شقة الحي العاشر، قال مفيش بنات هترجع القاهرة ولا فيه بنات هتتعلم تاني" وصل الأمر أن أحد المسئولين حينما كان في عزاء الشقيقة حاول إقناع الوالد بضرورة عودتها وهو سيحاول دمجها مع طالبات المدينة الجامعية منذ العام المقبل، لكنه أصر على رأيه".