رئيس التحرير
عصام كامل

وخرجت الفئران من جحورها لتنهش في سيرته!


بعد أن غيب الموت جمال عبد الناصر القائد الملهم لثورة يوليو في 28 سبتمبر 1970 لخلفه السادات الذي أجبر من بقي من أبناء الثورة على التقاعد واعتزال العمل السياسي!!


من هنا بدأ تاريخ انقضاء عصر الثورة وانطفأت أضواؤها وفرغت من أكل بنيها وتهيأت الفرصة لخصومها لينهشوها ويلتهموا ما بقي منها.. وخلع السادات فور توليه السلطة قميص "ناصر" الذي لم يسلم من محاولات الهمز واللمز وإهالة التراب على عصره ومشروعاته الكبرى..

ومضى عصر السادات بما له وما عليه وحاق به ما حاق بسلفه وانهال عليه حسين الشافعي (نائب عبد الناصر) ومراكز القوى نقدًا وهجومًا.. والسؤال: لماذا غاب الإنصاف والموضوعية وحضر التطاول والتشويه، واختلطت الحقائق بالأكاذيب وخالطت الضبابية أجواء النقد والتقييم لمراحل مصر التاريخية السابقة، وشاعت الروايات المتضاربة وتواترت الأحاديث عن سلبيات الثورة وأخطائها بعد رحيل عبد الناصر، ولم نجد شهودًا عدولًا ينطقون بالحق أو يتجنبون المواءمات والهوى حتى صار الاختلاف خلافًا وخصومةً وجرى تصنيف ثورة يوليو ضمن "الموبقات" السياسية وتجريدها من أي مزايا ومناقب أو إنجازات لا تزال شاهدة على عظمتها وإحداثها تحولًا كبيرًا في تاريخ مصر وحياة المصريين.. حتى محاولات الإنصاف جاءت على استحياء ومواربة.

وليس مستغربًا في ظل ما نعانيه من غياب واضح للتوثيق الأمين والمحايد لثورة يوليو أن تجهل الأجيال الجديدة حقيقتها وما تحقق من مبادئها حتى اختلط لديهم الحابل بالنابل وجرى تشويه الحقائق.. ولم يُعرف منها إلا ما يعرضه الإعلام من أفلام أو أغانٍ لا تزال مصدر إلهام وإمتاع كبيرين.. يتلقاها الناس بشغف هائل فكيف نبني الإنسان بمعزل عن حقائق التاريخ..؟!

إن أحدًا ممن هاجموا ثورة يوليو وتربصوا بزعيمها في كل مناسبة لم ينتبه إلى خطورة مسلكهم المعيب الذي لا يطعن في قادة يوليو بقدر ما يشوه تاريخ وطن بأكمله صنع ذلك التاريخ.. ولا أجافي الحقيقة إذا قلت إن أعداء الثورة في الداخل والخارج كانوا ممن نزعت عنهم امتيازات ومكاسب جنوها بحق أو بغير حق لتعيد توزيعها على الأغلبية المطحونة الصامتة من الشعب.

ولم يكد جثمان عبد الناصر يوارى الثرى حتى خرجت الفئران من جحورها لتنهش في سيرته وتطعن في تاريخه طمعًا في استرداد ما فقدته.. والعجيب أن تلك الفئة لم تكن لتجرؤ أن تنبس ببنت شفة في حياة عبد الناصر!
الجريدة الرسمية