رئيس التحرير
عصام كامل

«الثورة تأكل بنيها».. والأبناء أيضا يأكلون ثورتهم!


نسمع كثيرًا عبارة "الثورة تأكل بنيها" تتردد على ألسنة وأقلام كثيرين في مناسبات عديدة، وبصرف النظر عن مدى صحتها.. فإن الأصح في رأيي أن الأبناء أيضا يأكلون ثورتهم أو يختلفون معها، مثلما حدث في ثورة يوليو 1952 التي رغم ما حققته في سنواتها العشر الأولى من مكاسب ومنجزات معتبرة، فإنها اقترفت أخطاء فادحة، وهوت إلى انتكاسات كبرى لولاها لصارت من أمجد وأعظم أيامنا التاريخية.

وإذا جاز لنا أن نقول إن "الثورة تأكل أبناءها" فإن ذلك ليس مقصورًا على ثورة يوليو المصرية؛ فقد حدث شيء من ذلك في الثورة الإسلامية في إيران؛ إذ تنازع رجالها وتفرقوا معسكرين، أحدهما إصلاحي والآخر محافظ، ولم تسلم الثورات الكبرى هي الأخرى من آفة "أكل الأبناء"..

فماذا فعلت الثورة الفرنسية المعروفة بأم الثورات بالقائد الأشهر نابليون بونابرت.. ألم ينتهِ الأمر به منفيًا في إحدى الجزر النائية في فرنسا، حتى جاءته المنية، ولم تتورع الثورة الروسية هي الأخرى عن أكل بنيها الذين دب الخلاف بينهم فتنازعوا، وما إن اعتلى خروشوف سدة الحكم حتى رمى سلفه "ستالين" بالاستبداد والديكتاتورية.

فإذا ما عدنا لثورة يوليو نجد من يقول إنها أكلت بعض أبنائها، وذلك لا يخلو من الحقيقة.. لكن الصحيح أيضًا أن بعض بنيها اختلفوا معها وانقلبوا عليها، وكانت البداية من أزمة مارس 1953 التي أنهت شهر العسل بين رفاق يوليو، واستحال الوفاق بينهم خلافًا، واحتدم إلى صراع بين الضباط الأحرار صناع الثورة ومُفجريها، فانقسموا فريقين؛ الأول تزعمه محمد نجيب ومعه خالد محيي الدين ويوسف صديق الذين أصروا على الوفاء بالعهد الذي قطعوه للشعب بعودة الجيش لثكناته وتسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة، وهو ما رفضه قائد الثورة وفريقه الذين كانوا أغلبية في مجلس قيادتها، ورأوا تمديد الفترة الانتقالية لسنوات أخرى، حتى تكتمل أهداف الثورة وتتحقق مبادئها الستة التي قامت لأجلها.

أما مصير الفريق الأول فقد كان محبطًا ومؤلمًا؛ إذ جرت إقالة اللواء (الرئيس) محمد نجيب أول رئيس لمصر، وتحددت إقامته في فيلا بالمرج، بينما لزم يوسف صديق بيته معرضًا عن إتمام مسيرته مع الثورة التي كان أحد أهم أركانها؛ فهو أول من عرّض نفسه للخطر في اللحظات الأخيرة قبل اندلاعها، حين اقتحم قيادة الجيش وقتها؛لإنقاذها من فشل كان هو أول من سيدفع روحه ثمنًا له إذا وقع.
الجريدة الرسمية