رئيس التحرير
عصام كامل

لم تكن منزهة عن الهوى.. ولكن!


لم تكن ثورة يوليو شأنها شأن ثورات البشر منزهة عن الهوى ولا معصومة من الخطأ، بل شابتها صراعات وتقييد للحريات وتفرقت برجالها السبل وتنازعتهم الأهواء والمصالح وتشبث بعضهم بمقاعد السلطة التي غرهم نفوذها فأذاقوا الناس ألوانًا من العذاب والاستبداد دون رادع من قانون أو أخلاق، حتى ضاقت الجماهير ببعض قادتها وجاءت هزيمة يونيو 67 فبددت مباهجها ومآثرها وتردت بالوطن كله إلى هوة سحيقة من اليأس والإحباط، وفقدان الثقة في كل شيء.. ولولا نصر أكتوبر 1973 ما قامت لمصر وشعبها قائمة.


وللإنصاف والأمانة فقد حققت ثورة يوليو ما لم يكن يحلم به الشعب المصري وقتها؛ ولولاها ما تملك الفلاحون أرضا ولظلوا إجراء لدى الغير يقتاتون الفتات.. وما تعلم بالمجان أبناء الفقراء ونحن منهم في مدارس تخرج فيها نوابغ كثر أمثال الدكاترة مصطفى مشرفة وفاروق الباز وأحمد زويل ومصطفى كامل السيد ومجدي يعقوب وغيرهم.. فهؤلاء وأمثالهم تلقوا هنا تعليمًا راقيًا في مدارس مصر وجامعاتها جعلهم مؤهلين للحاق بركب العالمية بصورة ربما تفوق ما تلقاه وقتها طلاب في مدارس وجامعات أوروبية.

ومن عجب أن أكثر الناقدين المهاجمين لثورة يوليو من الكتاب والمفكرين كانوا في بدايتها من المتحمسين لأفكارها، المادحين لزعيمها الذي سرعان ما انقلبوا عليه وناصبوه العداء بعد أن قبضوا ثمن كتاباتهم عن الثورة وحظوا بالمناصب وصاروا من أهل الثقة، الذين اعتمدت عليهم الثورة وقدمتهم على أهل الخبرة وتلك نقيصة كانت بحق من أبرز سلبيات ثورة يوليو.

وبغض الطرف عن اتفاقنا أو اختلافنا مع ما يسوقه البعض من اتهامات وانتقادات لثورة يوليو، فإن ما يحسب لها بحق أنها أفلتت من مصير مؤلم لازم الثورات المصرية قبلها فكانت الأكثر إنجازًا وتغييرًا لواقع الناس إلى الأفضل، واقترابًا من طموحاتهم وآمالهم في التحرر والاستقلال.. فهل نجد من يعيد كتابة التاريخ بموضوعية وحياد حتى تعرف الأجيال الجديدة حقيقة ما جرى في مصر وما يراد بها؟!
الجريدة الرسمية