ثورة يوليو... متى نتعلم من تجاربنا!؟؟
في 23 من يوليو في كل عام نشاهد معركة عنيفة بلا مبرر حول الثورة، نجد من يسب ويلعن ثورة الجيش في يوليو 1952، وبين من يدافع عنها لدرجة التقديس، وهناك من يرى أنها فرصة للنيل ليس من الثورة بقدر من الزعيم جمال عبد الناصر، وكذلك هناك يرى فرصة لتخليص مواقفه مع الحكام منذ رحيل جمال عبد الناصر في 28 من سبتمبر 1970.
وللمرة الألف أكتب، التاريخ هو العظة والاعتبار كما قال ابن خلدون، أين نحن من هذا؟! يلاحظ أن الذين يكتبون وينظرون لسلبيات هذه الثورة يشعرون القارئ وكأن التاريخ توقف أمامها ولم يتحرك، ويتجاهلون رحيل قائد الثورة من 48 سنة، يتجاهلون أن كل من جاء بعد رحيله لم يرسخ أهداف الثورة بل عمدوا جميعا إلى عكس الرؤية التي كانت ثورة يوليو تهدف إليها، بدأت مع السادات ومستمرة حتى الآن!
لماذا لا نتعلم من هذه التجربة؟! في الهند.. البرازيل.. جنوب أفريقيا.. الصين حتى مهاتير محمد في ماليزيا يرى أن تجربة ثورة يوليو أفادت العالم الحر، لماذا لا نتحاور حولها كتجربة غيرت البنية الأساسية للشعب المصري؟ لماذا لا نتحاور حول إيجابيات وسلبياتها لنستفيد في حاضرنا من أجل المستقبل؟ لماذا لا يكون الحوار علميا من أجل أجيال تتعلم من التاريخ وتحترم تجارب من سبقوهم من الآباء والأجداد ليحدث تواصل حقيقي؟!.
قرأت على صفحة الدكتور كمال مغيث الباحث الوطني الغيور على مصر مقالا أرى أنه من المقالات النادرة التي لم تكفر فاروق وعصره، ولم تقدس عبد الناصر وتجربته يقول:
"أعرف أن لي أصدقاء كثيرين من الناصريين ومع هذا لا يعتبرونني واحدا منهم، والأمر نفسه مع أصدقائي من أنصار العهد الملكي، وملخص رأيي بين العهدين، أن العهد الملكي ليس بالسوء ولا الفساد الذي سعت الثورة لوصمه به، فهو عهد توفرت فيه درجة هائلة من الثقافة وحرية الفكر، وعرف الجامعة المستقلة والعظيمة والتعليم الراقي، رغم أنهم كانوا للقلة، إذ لم يكونوا بالمجان..
وعهد كان يطبق فيه القانون ولم يعرف الاعتقالات إلا بشكل محدود زمن الحرب العالمية الثانية، وعهد يعرف القضاء المستقل قولا وفعلا، ولم يكن الملك فاروق غارقا في الخمر والنساء والفساد، إنما كان ملكا تافها طفوليا مغامرا مدمنا للقمار، ومع هذا فقد كانت آفة هذا العهد – وهي التي عصفت به في النهاية- أنه لم ينجز شيئا في القضية الوطنية التي كانت هم المصريين الأول قبل الثورة ورغم وطنية الوفد "حزب الشعب" والنحاس باشا العظيم الذي ألغى اتفاقية 1936..
فقد انتهى حريق القاهرة ببقاء الإنجليز وتأبيد هذا البقاء، وكذلك بات واضحا أن الديمقراطية مجرد رطانة في الدستور الذي يسمح للملك بإقالة الوزارة الشعبية وحل مجلس النواب، ولم يعد بإمكان الوفد الوصول للحكم إلا لأداء مهمة يحتاجها الإنجليز أو الملك، وكذلك وصلت القضية الاجتماعية إلى طريق مسدود وهيَمن كبار الملاك - الذين رفضوا كل مشروعات الإصلاح الاجتماعي - على الأحزاب وابتعد عنها الأفندية..
ووقف النظام كله موقفا شرسا في مواجهة التشكيلات الفلاحية والعمالية الجديدة، ومن هنا كانت ثورة يوليو حتمية تاريخية وشعبية التف حولها الناس منذ بيانها الأول، كما قص على أبي وأعمامي وأساتذتي الكبار، ولم تخذل الثورة ثقة الناس فيها فعملت مشروعات الإصلاح الاجتماعي وسعت لتقريب الفوارق الطبقية وبنت المشروعات العملاقة وخطط التنمية الطموحة، ومدت مجانية التعليم للجامعة وجعلت التعليم من أهم مشروعاتها الاجتماعية، ولم يعرف عهدها الفساد فكان عبد الناصر نزيها متعففا يعيش حياته كأوسط الناس فخاف من حوله من الفساد، وكان الوزير يحاسب على كوبونات البنزين التي استلمها تبعا لخط سير سيارته.
ورغم هذا فقد أرسى عبد الناصر ثلاث قواعد ذهبية يعيش عليها الاستبداد إلى يوم الناس هذا وهي: أولا: أن الرئيس أبدي دائم يَعزل ولا يُعزل "الياء بالضم" يُحِاسب ولا يُحَاسب، فوق الدستور والقانون والسلطات، ولا قبل لأحد بوضع حدود لسلطته.
الثاني: أن المواطن لا قبل له في مواجهة آلة الدولة وطغيانها..
الثالث: أن الأمن "بمعنى أمن النظام الحاكم" له يد العليا في جميع شئون المجتمع من سياسة وثقافة واقتصاد وتعليم وسفر.. إلخ!".
انتهى مقال الدكتور كمال مغيث وبرؤية مدققة هو دون أن يصرح هو أن الثورة كانت ضرورة بعد تقاعس الملك وحكوماته لإنجاز أي شيء في القضية الوطنية وهي طرد المحتل، كما يؤكد فساد الأحزاب حتى حزب الوفد أشار أنه كان يأتي لتنفيذ رغبات الإنجليز والملك.. وأشار إلى أن عبد الناصر رسخ أبدية الرئاسة.. تراجع تأثير المواطن في مواجهة الدولة، وهنا أشير إلى أن هناك دساتير في 1971، وعدل في 1981، إلى دستور 2012، ودستور 2013..!
ما ذنب عبد الناصر الذي رحل من نصف قرن؟!
أما المواطن فقد أثبت أنه إذا اراد أن يكون مؤثرا يكون.. والدليل 25 يناير.. و30 يونيو...!
إنني أتمنى أن ننظر إلى تاريخنا إلى باحترام.. ونتعلم منه، وهذا يجمعنا ولا يفرقنا كالدول المتحضرة... وتحيا مصر.