رئيس التحرير
عصام كامل

«اللحية» بين اختلاف العلماء.. والقانون


مَسألة حَلق اللِّحيةِ من أكثر المسائل المُتداوَلة والمثيرة للجدل حاليا؛ على اعتبار أنَّ اللِّحية كانت تُمَثِّل رمزًا مُهمًّا في المُجتمع الإسلاميّ، وأن شرعيَّة إعفائها للرِّجال أم حلقها، مرتبطة بأحكام الشَّريعة الإسلاميَّة.. إذ تتعلق هذه المَسألَة بدَلالة الأمْر والنَّهْي في القُرآن والسُّنَّة.


وقد انتهى علم أُصول الفقه إلى كونها ليست كلها للوُجوب بل منها ما يكون على سبيل النَّدْب، خاصَّة وأنَّ القُرآن الكريم لم يتضمَّن نصًا صريحًا قاطعًا في شأنها وإنما أوردتها السُّنَّة النَّبويَّة الشَّريفة، فيضحى السؤال في مَسألَة إعفاء اللِّحيَة هل هي للوُجوب أم للنَّدب؟

الثَّابت مِن البحث المُتعمِّق في أُصول المَسألة أنَّ العلماء اختلفوا على مر العُصور والمجتمعات في الحُكم الشَّرعي للِّحيَة وإعفائها أو حلقها أو الأخذ مِنها، ما بين منكر لهذا أو ذاك أو مجيز له، وتنوَّعت آراؤهم ما بين جعل أيٍّ مِن ذلك سُنَّة واجبة أو سُنَّة مُؤكَّدة أو بِدعة محرَّمة أو مِن سُنَن العادات أو مِن سُنَن الفِطرَة التي هي مِن المُستحبَّات أو المَكروهات أو مِن سُنَن العادات لقومٍ أو لبيئة مُعيَّنة أو مِن خصائص النَّبيِّ.

ولكل رأيٍّ أدلَّته وأسانيده الشَّرعيَّة بناء على اختلافه في فهم "دَلالة الأمْر" في الحديث النَّبوِي الشَّريف، ويضحى توصيف كل هؤلاء العلماء الأجلاء أنهم مجتهدون، فلا يجب إنكار بعض اجتهاد الآخرين في الرَّأي للبعض الآخر، وإنما يُقبَل الاختلاف عمومًا كنوع مِن التَّنوُّع وليس التَّضاد، وبالتالي ففي حال اختلاف العلماء على حُكم شرعيٍّ مُعيَّن، فإن لكل مُسلمٍ حق الاختيار برويَّة مِن الاجتهادات الشَّرعيَّة للعلماء، وأسانيدها ما يطمئن إليه قلبه وثوابته، وفق ما يُناسب فطرته وثقافته وأحواله الاقتصاديَّة والاجتماعية والوظيفيَّة، دون أنْ يَضرَّ بصالح البِلاد أو العِباد أو حُرِّيَّاتهم.

وفي المقابل، يحق للمُشرِّع أيضًا حال اختلاف العلماء على حُكم شرعيٍّ مُعيَّن، أنْ يَسن مِن النُّصوص القانونيَّة، ما يتفق مع أرجح تِلك الآراء، بُغيَة تنظيم السُّلوك والمَظهر الخارجي والمَلبَس لفِئات محدَّدة مِن العامِلين المُنتسبين لمَرافِق إداريَّة مُعيَّنة بما يحقِّق الصًّالح العام للبلاد وللمِرفق معًا، طالما لا تخالِف صراحة أو ضِمْنًا أيًا مِن أركان الإسلام أو ثوابت أحكامه المُتَّفق عليها، وفي ظلِّ اعتِبار مَبادِئ الشَّريعة الإسلاميَّة مَصدرًا رئيسيًا للتَّشريع، على أنَّ يخضع ذلك كله للرِّقابة القضائيَّة.

ومِن ثم فإنَّ التزام العامِلين بالدَّولة عُمومًا بالقانون والقواعد المُنظِّمة للعمل داخل مَرافقها، لهو التزام قانوني ينأى عن المخالَفَة، وأهم وأجدى لصالح البلاد والعِباد، إذ يجب عمومًا الالتفات إلى الأمور والتَّعاليم الإسلاميَّة الغرَّاء التي تحتاجها الأمَّة بأكملها في دروب تقدُّمِها ورُقيِّها والنَّأي عن الجَدَل في القضايا الفقهيَّة الخِلافيَّة.. وللحـديـث بـقـيـة.
الجريدة الرسمية