عبد الناصر وسوريا.. في ذكرى ثورة 23 يوليو!!
كانت سوريا بالنسبة للزعيم جمال عبد الناصر قلب العروبة النابض، وكان الرجل يدرك أهميتها بالنسبة للأمن القومي المصري والعربي، وعندما جاءت فرصة الوحدة وعلى الرغم من عدم نضجها فإنه لم يتردد لحظة واحدة لعقدها وإعلانها، ولم يبن جمال عبد الناصر موقفه من سوريا على أسس عاطفية، لكنه بنى هذا الموقف بعد قراءة واعية لحقائق التاريخ والجغرافيا والثقافة المشتركة بين البلدين، فأدرك بحسه الوطني والقومي أننا بلد واحد وتاريخ واحد ومصير مشترك واحد...
لذلك أعلن الجمهورية العربية المتحدة بإقليميها الشمالي والجنوبي، وبجيوشها الثلاثة الميدانية الجيش الأول بالإقليم الشمالي (سوريا) والجيشين الثاني والثالث بالإقليم الجنوبي (مصر)، أملا في أن تكون نواة حقيقية لوطن عربي موحد يستطيع أن يقف في مواجهة القوى الاستعمارية الكبرى في العالم.
وعلى الرغم من الفرحة العارمة لأبناء الإقليمين بهذه الوحدة فإن هذه الفرحة لم تدم طويلا، فمنذ اللحظة الأولى بدأت عمليات التآمر على مشروع الوحدة، وبالطبع كانت القوى الاستعمارية القديمة (إنجلترا وفرنسا) والقوى الاستعمارية الجديدة (الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل) في مقدمة من سعى إلى إجهاض المشروع الوليد وقاموا باستخدام كل الوسائل غير المشروعة عبر أدواتهم الخائنة والعميلة بداخل الإقليمين، إلى جانب استخدام الرجعية العربية الخائنة والعميلة تاريخيا التي عملت بكل قوة ودفعت أموال طائلة للإطاحة بحلم جمال عبد الناصر..
وعلى الرغم من نجاح مشروع التقسيم والتفتيت فإن حلم الوحدة المصرية – السورية ظل باقيا في عقل وقلب جمال عبد الناصر حتى يوم وفاته، فرغم الانفصال ظلت مصر هي الجمهورية العربية المتحدة، وظل جيشها الأول هو الجيش العربي السوري، وظل علمها هو علم الوحدة ذو النجمتين الأولى لسوريا الإقليم الشمالي والثانية لمصر الإقليم الجنوبي، وهو العلم الذي شيع فيه جمال عبد الناصر يوم وفاته، لتَشهد جنازته أنه ظل وفيا لسوريا والوحدة حتى آخر لحظة في عمره.
وبرحيل جمال عبد الناصر جرت في النهر مياه كثيرة وتمكنت القوى الاستعمارية الجديدة من فرض مشروعها التقسيمي والتفتيتي على الجميع داخل الأمة العربية باستثناء سوريا العربية، التي أطلق عليها الزعيم جمال عبد الناصر قلب العروبة النابض.. فبصعود القائد المؤسس حافظ الأسد لسدة الحكم قرر أن يسير على خطى جمال عبد الناصر، ويَستكمل مسيرته ويتبنى حلمه في الوحدة العربية، فبقي علم الوحدة ذو النجمتين هو العلم السوري..
وظل المكون العربي جزءا لا يتجزأ من كل مؤسسات الدولة السورية، فالدولة هي الجمهورية العربية السورية، والشعب هو الشعب العربي السوري، والجيش هو الجيش العربي السوري، وهكذا لكل مؤسسات الدولة، ولم يكتف القائد المؤسس حافظ الأسد بالمسميات فقط بل ترجم ذلك واقعيا عبر تحديه ووقوفه في وجه المشروع الاستعماري الغربي وعدم الرضوخ له.
وفي الوقت الذي هرول الجميع لعقد اتفاقيات ومعاهدات سلام مذل مع العدو الصهيوني بداية بكامب ديفيد مرورا بأوسلو وصولا لوادي عربة، بقي هو الوحيد الذي يرفع راية المقاومة في وجه العدو الصهيوني ويحتضن المقاومة العربية الفلسطينية واللبنانية التي كبدت العدو خسائر باهظة وظلت خنجرًا في خاصرته الرخوة طوال الوقت، وعندما اضطر للدخول في مفاوضات مع العدو الصهيوني أصر أن تكون مفاوضات عربية..
ورغم الطعنات التي تلقاها فإنه ظل يفاوض بشراسة لمدة عشر سنوات وعندما شعر بقرب أجله أوقف المفاوضات مع العدو الذي كان قدم الكثير والكثير من التنازلات وقال قولته الشهيرة: "من الأفضل أن أورث شعبي قضية يناضل من أجلها على أن أورثه سلاما مذلا"، ورحل القائد الخالد حافظ الأسد كما رحل جمال عبد الناصر والعروبة في عقله وقلبه.
وتأتي الذكرى السادسة والستون لثورة 23 يوليو 1952 ثورة جمال عبد الناصر وسورية التي وضعها جمال في عقله وقلبه تخوض حرب كونية مع القوى الاستعمارية نفسها صاحبة المشروع التقسيمي والتفتيتي التي تآمرت على حلمه الوحدوي العربي، وفي الوقت الذي وقف الجميع في العالم العربي متفرجا، قررت سوريا قلب العروبة النابض أن تكون دائما على العهد مع جمال عبد الناصر فوقفت منفردة تدافع ليس فقط عن ترابها الوطني ضد الهجمة البربرية الكونية التي استخدمت أقذر الأدوات، بل عن شرف وكرامة الأمة العربية كلها، وخلال هذه الحرب الكاشفة كان أبناء جمال عبد الناصر المخلصين في مقدمة الصفوف دفاعا عن سوريا خط الدفاع الأول والأخير عن العروبة.
وخلال زيارتي لسوريا قبل أيام من حلول ذكرى ثورة جمال عبد الناصر التي تحل في غمرة انتصارات جيشنا الأول الجيش العربي السوري، شاهدت وسمعت الجميع سواء مواطنين أو مسئولين يترحمون على الزعيم جمال عبد الناصر الذي كانت سوريا دائما في عقله وقلبه، ولسان حال الجميع يقول لو كان جمال عبد الناصر موجودًا ما حاربت سوريا منفردة، لكن عزائهم الوحيد هو وجود الشرفاء من أبناء جمال عبد الناصر والمؤمنون بمشروعه الوحدوي العربي إلى جانب سوريا، لذلك لا بد أن يعي كل من يرفع راية جمال عبد الناصر ويؤمن بثورته أن ناصريته ناقصة إن لم تكن سوريا في عقله وقلبه، اللهم بلغت اللهم فاشهد.