بوتين بطل المونديال!
عندما التقى الرئيس الروسي بوتين الرئيس الأمريكي ترامب في هلسنكي بعد ساعات من انتهاء مولد كأس العالم أهداه كرة قدم وقال له الآن الكرة في ملعبك!.. وقد عبر الرئيس الروسي بذلك عما لم يكن وحده يشعر به إنما كثيرون في أنحاء العالم، وهو أن روسيا فازت بالكثير بتنظيمها المبهر للمونديال، اقتصاديا ورياضيا وأيضًا سياسيا!
وإذا كان من السهل رصد وإحصاء المكاسب المالية والاقتصادية الروسية من المونديال، فإنها من الأكثر سهولة رصد المكاسب السياسية التي أحرزتها روسيا منه.. إن الملايين الذين زاروا روسيا خلال المونديال لم يجدوها كما حاول الأمريكان والغرب تصويرها لهم ولغيرهم.. بلد شرير يتربص بهم ويهددهم ويمثل خطرا عليهم.. إنما وجدوها بلد مجتهد يحسّن استقبال ضيوفه والتعامل معهم ويرحب بهم ويحرص على راحتهم وأمنهم ويسهم أيضا في نشر الفرحة والبهجة في نفوس بقية شعوب العالم..
ولذلك لا مبرر لمعاداة روسيا أو محاصرتها وتوقيع عقوبات اقتصادية عليها.. بل المفترض التعاون معها من أجل سلام وخير العالم.
ولعل ذلك ما قصده بوضوح وذكاء بوتين وهو يقدم هديته التي انتقاها لترامب، وعندما قال له بعدها الآن الكرة في ملعبك.. أي إنه يتعين عليه أن يقوم بدوره إزاء تحسين العلاقات معه ومع بلاده، وإنهاء تلك السياسة المطاردة لروسيا التي تبنتها أمريكا بصرامة خاصة بعد ضم بوتين جزيرة القرن إلى روسيا.
لقد سعى بوتين وهو يلتقي ترامب في هلسنكي بعد ساعات قليلة من انتهاء المونديال أن يستثمر مكاسب روسيا السياسية من هذا المونديال عمليا وفورا، ودون إبطاء، للترجمة هذه المكاسب على الأرض، سواء في علاقة روسيا بأمريكا، أو بدورها في العالم، خاصة دورها الذي اتسع في منطقتنا بعد الوجود العسكري في روسيا ونسج علاقات قوية مع كل القوى الإقليمية فيها.
وهذا يفسر لنا تلك الحملة الكبيرة التي تعرض لها ترامب وما زال في داخل بلاده ليس فقط من قبل خصومه السياسيين في الحزب المنافس الديمقراطي، إنما من بعض صقور حزبه، التي وصلت إلى درجة التهكم عليه والسخرية منه ووصفه بصفات مهينة، واتهامه أنه هزم أمام بوتين وفَرَّط في المصالح الأمريكية!
وهي الحملة المرشحة للتصاعد، خاصة بعد أن بدأ ترامب حملته الانتخابية الجديدة مبكرا، عندما أعلن أنه سوف يترشح لفترة رئاسية ثانية وسوف يفوز في الانتخابات المقبلة التي ستجرى عام ٢٠٢٠.
وإذا كان بوتين حقق لبلاده مكاسب سياسية للمونديال تفوق ما حققه ماكرون الذي فازت بلاده بالبطولة، فإنها مهما فعل الأمريكان والغرب بصفة عامة لن يفرط فيها، بل سوف يسعى لتثبيتها واستثمارها، ثم زيادتها.. وتجربته في سوريا توضح ذلك بجلاء.