رئيس التحرير
عصام كامل

الخبير الاقتصادي جمال القليوبي: مصر ليست بحاجة لقرض الـ12 مليار لكن يلزمها ثقة صندوق النقد

فيتو

  • الحكومة تحتاج مستشارين اقتصاديين برتبة مقاتلين
  • القيادة السياسية ابتعدت عن سياسة تخفيض الأسعار و"الضحك على المواطن"

يرى الخبير الاقتصادي جمال القليوبي، أن مصر لم تكن في حاجة أبدا إلى قرض الـ12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، مشيرا إلى أن المسئولين اتجهوا للاقتراض من الصندوق فقط كي يحصلوا على شهادة من خبرائه أن الاقتصاد المصري يسير في الاتجاه الصحيح، وأن فرصة نموه مستقبلا كبيرة.
 
وأشاد القليوبي في حوار ضمن مبادرة "فيتو" "الصوت الآخر، معارضة من أجل الوطن" بنجاح الحكومة في خفض معدلات التضخم في الفترة الأخيرة، وقدرتها على السيطرة على سعر صرف الدولار بعد قرار التعويم.. وإلى نص الحوار: 

*هناك من يحملون صندوق النقد مسئولية القرارات الاقتصادية الصعبة التي تتخذها الحكومة ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي.. ما تعقيبك على ذلك؟
طبيعي عندما أقترض من أي بنك مبلغا من المال، البنك سيكون له بعض الاشتراطات عليّ، والـ12 مليار دولار التي تم اقتراضها من الصندوق، كانت بمثابة الشهادة التي يخرج بها البنك بشأن سياسة الدولة الاقتصادية، فالمبلغ لم يكن أمرا مضلعا أو الدولة في حاجة إليه، لكن نحن أردنا وضع التقييم العالمي للاقتصاد المصري تحت مظلة خبراء صندوق النقد الدولي الذي يعطي من التوصيات الخاصة به، وخلاصة القول إن الدولة لم تكن في حاجة أصلا لهذا القرض، لكن كان يلزمها ثقة الصندوق وشهادة اعتمادية أن الاقتصاد المصري اقتصاد قوي ويستطيع أن ينمو بسهولة، ويتمتع بالعديد من المزايا والفرص.
فالصندوق ليس له أي نوع من التأثير أو فرض التوجهات، كل ما في الأمر أننا نتعامل مع قضية اقتصادية مصيرية، جعلت القيادة السياسية تبتعد عن سياسة تخفيض الأسعار و"الضحك على المواطن"، مما رفع معدل التضخم إلى أكثر من 30% خلال الـ 30 سنة الماضية!، والدولة التي بها تضخم مرتفع بالتأكيد لا تستطيع تسديد ديونها الخارجية.

*ما تقييمك إذن للمعادلة الاقتصادية المصرية، أو السياسة الاقتصادية للدولة المصرية؟
المعادلة الاقتصادية المصرية أنا أطلق عليها لفظة "المعادلة المختلفة"، فلا تؤخذ فيها بعين الاعتبار أية نصيحة أو أي تجربة مماثلة يمكن أن تسير عليها، بمعنى أن الزيادة السكانية عندنا 2 ونصف مليون نسمة تقريبا في العام، الدولة تعتمد على 13 مليار دولار حجم استيراد مواد وقودية من خارج البلاد، والموارد الخاصة بها محدودة وقديمة للغاية، لا نستطيع أن نضيف جديدا للإيرادات الخاصة بنا، أيضا المعادلة مختلفة لأن شريحة الاستهلاك مرتفعة، وحجم الاستيراد أمام حجم الإيرادات وصل إلى العجز الكامل، ونحن كنا أمام مديونية مفتوحة عن آخرها، وتسليم قرارات حكومية غير سليم فما إن تنتهي حكومة تغلق أوراقها وتبدأ أخرى في اتخاذ سياسات مغايرة، وهذا ما توارثناه خلال الـ30 سنة الماضية، لكننا اليوم تجاوزنا هذه النقطة.

*إذن أنت ترى أن سياسة الحكومة الجديدة الاقتصادية امتداد لسياسة حكومة شريف إسماعيل؟
سياسة حكومة الدكتور مصطفى مدبولي امتداد صريح ومباشر للسياسة السابقة، وهذا ما أعلنه مدولي بنفسه أمام مجلس النواب، حينما قال: "نحن سوف نستمر في برامج الحماية والإسكان والتصنيع داخل الدولة المصرية، وهذا متماشي مع حكومة المهندس شريف إسماعيل"، هذا أمر واضح أنها تلتزم أمام القيادة السياسية بما قدمته حكومة إسماعيل خلال سنوات عملها، وأنها تستكمل المشروعات القومية التي بادرت الحكومة السابقة بتبنيها.

*بعض الآراء تشير إلى عملية الإصدار النقدي المصري كسبب جوهري لارتفاع معدل التضخم خلال السنوات الأربع الماضية.. مدى صحة ذلك؟
الموضوع ببساطة شديدة، أن التضخم يعني أننا دولة تستورد مواد غذائية من خارج البلاد فنضطر إلى استخدام العملة الصعبة، وبالتالي يترتب عليه رفع الأسعار لاستجلاب هذه العملة، السياسة النقدية المصرية التي تتحكم في عملية التضخم، تعني أنني كدولة أريد أن أحتفظ بالأوراق المالية الخاصة بي، دون الحاجة لطباعة المزيد، ما يعني زيادة الإيداع وتقليل الإقراض، فالبنك المركزي رفع الفائدة على الإقراض ما جعل الناس يحجمون عنه، فتكدس مخزون كبير من العملة المصرية، وتم إحكام قبضة البنك المركزي على الإيداع والإقراض وفوائدهما، أيضا الاحتياطي القانوني للعملة النقدية الورقية تمت مراجعته بدقة ووصل إلى 800 مليار جنيه، هذا يعني أن الدولة رغم الصعوبات الاقتصادية نجحت في الوصول بمصر نحو سياسة نقدية مثالية للغاية.
أريد أن أقول أيضا إن السياسة النقدية والسياسة المالية لحكومة الدكتور شريف إسماعيل ثم مصطفى مدبولي من بعده، أضفت نوعا من الإحكام الاقتصادي، من خلال انطلاق سياسة التعويم منذ نوفمبر 2016، وكنا نتحدث عن أن الدولة عاجزة عن ضخ كميات من العملات، للحفاظ على الفرق بين الدولار والجنيه المصري، ما أدى إلى نفور المستثمر الأجنبي من السوق المصرية، بعد أن وجد للعملة أكثر من سعر، أيضا السوق السوداء كانت تعمل بقدرات فائقة، بعد قرار التعويم تم الإمساك بزمام السوق السوداء وتداول العملة بأسعار مختلفة، انخفض التضخم تدريجيا من 35% إلى نحو 13%، وخلال العام الماضي وجدنا أن فرق الدولار عن الجنيه المصري، لا يزيد على 75 قرشا منذ بداية التعويم حتى اليوم، إذن التضخم في مصر سينخفض خلال الفترة الأخيرة ولن يرتفع كما يدعي البعض، والأهم من ذلك أننا جعلنا الشركاء الأجانب يقبلون على الاستثمار المصري، لأنهم على دراية أن سعر تداول العملات أصبح واحدا ومعتمدا فقط من خلال البنك.

*سبق وقلت إن السياسة الاقتصادية المصرية تختلف عن مثيلاتها في الدول الأخرى.. هذا أدعى أن يكون لرئيس الوزراء مستشار اقتصادي ذو مواصفات مميزة.. أليس كذلك؟
بالتأكيد، نحن نريد جنديا يقف في معركته الاقتصادية بصدر مفتوح، وليس موظفا ينتظر راتبه في نهاية كل شهر، وأنا أعيب على الفكر الاقتصادي المصري الممتد من الزمن القديم حتى اليوم، نحن نبحث عن أشخاص يتعاملون مع المهمة الاقتصادية كأنها مهمة وطنية وليست عملا روتينيا فحسب، فنحن في مرحلة حرجة، ليس أمامنا خيار سوى النجاح، فلا بد أن تتحرى القيادات قبل اختيارها، لأن الشعب مسلم أمره لأشخاص لا بد أن تكون على القدر نفسه من هذه الثقة.
الجريدة الرسمية