مستر سيّد
استدعيت إلى ذاكرتى، مدرس ابنتى الستينى، وأنا أتابع كل ما دار في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعى من نقاشات، حول قرار وزيرة الصحة والسكان الدكتورة هالة زايد بإذاعة السلام الجمهوري، يوميًا، في جميع مستشفيات الجمهورية، بهدف تعزيز قيم الانتماء للوطن في المستشفيات لجميع المستمعين، سواء للمريض أو الأطقم الطبية.
هذا الستينى الوقور، ممسكا بالعود، أمام ابنتى وزملائها في حصة الموسيقي بالمدرسة، لم يكن يعلمهم أغانى عاطفية، أو كلاسيكيات غربية، أو ألحان شرقية، بل كان يعلمهم نغمات في حب مصر.
عندما روت لى طفلتى وهى في سن ستة أعوام: «يا بابا مستر سيد دايما بيقول لنا إن أغلى حاجة لازم نحبها في حياتنا هي مصر، وكمان بيقول لنا، إننا لازم نخاف عليها، والنهارده كان بيعلمنا وهو بيعزف على العود لحن «قوم يا مصرى مصر دايما بتناديك»، وكمان خلانا نحفظ نشيد «رسمنا على القلب وجه الوطن»، أنا بحب مستر سيد لأنه عامل زى جدو كان بيحب مصر، وكان عسكري في الحرب».
ربطت بين الأمرين، في حالتين مختلفتين لمحاولة غرس الانتماء في النفوس، بين انتماء بالأمر المباشر وبقرار وزارى، وبين انتماء بلا طلب أو فرض، يبثه هذا المدرس في أنفس الصغار، فيحبون قيمته ويعظُم في وجدانهم.
من الضرورة بمكان تعزيز مفاهيم الانتماء في نفوس النشء والطلاب، وتنمية حب الثوابت الوطنية بهم، ابتداء من احترام النشيد الوطني، في أي محفل أو مناسبة، وفرض تحية العلم في طابور الصباح في المدرسة، إلى جانب تنمية الوعي لديهم بالمسئولية تجاه الأسرة والمجتمع والبلد، وهو الأهم والأكثر اعتبارا وحيثية، عبر سلوكيات تكتسب من الأسرة والمدرسة، بهدف احترام الهوية الوطنية، والحفاظ على الولاء الكامل.
الانتماء للوطن أمر جليل ومقدس للغاية، يبدأ اكتسابه منذ السنوات الأولى في عمر الطفل، من الأم والأب أولا، لا يصاغ في قرارات مطلقا، فتنمية الشعور لدى الفرد بعظم الوطن، حاجة ملحة وضرورية تشعره بالروابط بينه وشركاء مجتمعه، بينه وبين أرضه، وهذا لا ينمو ويزدهر إلا بوعى تام ورعاية كاملة واهتمام من كافة النواحي، من صحة وتعليم ومعيشة وفرص عمل وسكن... إلى غيره من الأمور الكثيرة.
ليت كل منا "مستر سيد"، في عمله، في بيته، مع جيرانه، في إطار مجتمعه المحيط به، نغرس فيمن حولنا قيم الانتماء للوطن بالفعل إلى جوار القول، بالعمل الجاد والدؤوب، نستحضر بطولات من سبقونا إلى سجلات المجد الوطنى الحافل، ضحوا بأرواحهم فداء استقرار هذا الوطن، وفداء ترابه وتاريخه، ليتنا في ربع وطنية "مستر سيد"!.