العنصرية كما أشرحها لابنتي
أنا من هؤلاء الذين يؤمنون بالحوار حد التقديس، بالنسبة لي هو الراعي الأول لصيانة الحياة على هذا الكوكب، ومفتاح الرقي والتفاهم ليس فقط بين بني البشر، بل بينهم وبين سائر المخلوقات الحية؛ فنظرة ودودة إلى قطة أو حيوان أليف يبادلك إياها، قد تعطيك السعادة في أسمى معانيها.
هذه المودة بيني وبين رمزية الحوار، جعلتني التهم في يوم واحد كتاب «العنصرية كما أشرحها لابنتي» الصادر حديثا للطاهر بن جلون، أحد أعظم أدباء الجيل الثاني من كُتاب الفرانكفونية أو الفرنسية بالمغرب، ويكشف فيه ابن جلون بلغته الراقية متن حواره مع ابنته، التي أصرت على مصاحبته في تظاهرة شارك فيها منذ عشر سنوات اعتراضا على مشروع قانون متعلق بالهجرة.
ويبدو أن الموقف وغموض أسئلة الصغيرة، ونبتة التطرف المجتمعية التي تركت بصمتها سريعا عليها، دفع الكاتب الكبير لمخاطبة هذا الجيل، وإبصاره بضرورات الحوار وكيفياته.
استشعر دائما أن أزمة المجتمع العربي والإسلامي، تتلخص في الجهل بالمعنى الحرفي لهذه الكلمة، لذا نعيش أمراضا مستعصية منذ عقود طويلة، تجعل كل منا هشا، مجرد فرد مؤقت في مجتمع لا يمتلك عقدا اجتماعيا واضحا؛ فالحديث الحر والحوار المفتوح يجعلان المواطن العربي ينفر منهما، وكأنك تضع الجمر تحت لسانه، وهو ما انتبه إليه بن جلون وحاول تأصيله في كتابه الجديد.
غياب الحوار يرسخ القمع بكل مستوياته، يجعل قيمة الفرد محصورة فقط في اعتباره النمط الواحد، على غرار الحاكم الواحد، والدين الواحد، بما يدمر الإنتاج الحقيقي، والتواصل الفعال والحياة النبيلة، ويفقدنا كآدميين الكثير والكثير من معانينا الإنسانية؛ فالأذهان الساكنة والمصفدة بنزعات عدوانية تجاه الحوار وآلياته، لن يكون لأي حدث قدرة على تحريكها والتأثير فيها، مهما كانت عظمته والحاجة إليه.
الحوار وقاية من العنف والانحراف والفساد، وكلها أمراض تغرق فيها المجتمعات العربية، وأي متتبع للكثير من حالات العنف والإرهاب، سيجد هناك علاقة تبادلية بشكل مثير بين غياب الحوار بداية من الأسرة، وبين انتهاج العنف، فعوالم الذات مريضة وفسيحة ومتشابكة ومعقدة، ولايفك كل هذه الاشتباكات، إلا الحوار والحوار وحده!