ميكروباص السكة الحديد!
ولأن قسم العلوم السياسية بجامعة أسيوط حينئذ في التسعينيات كان عشرة طلاب فقط، لذا كان رئيس القسم الدكتور عبدالله هدية أستاذ العلوم السياسية المرموق، لا يتوقف عن رواية نوادره التي كانت ساخرة جدا، تحمل إسقاطات مهمة عن المجتمع، غالبا يربطها بالحياة في فرنسا التي حصل منها على الدكتوراه، واحتك بمجتمعها وأحزابها..
إحدى النوادر عندما اشتكى من تأخره في طريقه أمس من القاهرة إلى أسيوط، عندما دخل قطار الرابعة إلا عشر دقائق في حدود الرابعة والنصف، ولأن دخول القطار إلى رصيف محطة رمسيس من المخزن يكون بطيئا لذا سمح له ذلك أن يسأل السائق: هو أنت كنت بتشوف الماتش يا ريس ولا إيه؟ فرد سائق القطار رده الصاعق : "وإحنا مالناش نفس ولا إيه يا بيه؟"!!
كان يومها مباراة للأهلي والزمالك، وسائق القطار ترك ركابه وهم غالبا من أساتذة الجامعة والقضاة ورجال الأعمال ممن لهم مصالح أسيوط في مهام اليوم الواحد.. نقول تركهم جميعا وترك عمله وترك الانضباط وترك ترتيب حركة القطارات على المسافة الممتدة من القاهرة إلى أسيوط، وهي تقترب من الـ400 كيلومتر من أجل أن يشاهد-سيادته- المباراة !
نتذكر ذلك، وأمس أذاعت بعض وسائل الإعلام بالصوت والصورة سائق قطار المنوفية الذي استوقف القطار عند احد المزلقانات وغادره كله هذه المرة، وذهب إلى أحد المطاعم المجاورة واشتري ساندويتشات الإفطار ثم عاد مسرعا إلى القطار وغادر المكان!
بالطبع كل التحية للمواطن المحترم الذي اهتم بمراقبة هذا السلوك وفضحه إلا أن صاحبنا اتخذ من ركاب القطار رهينة، وخالف كل التعليمات، وأضاع وقت عشرات أو مئات الركاب للسبب المذكور!
بالرغم من فارق السنوات إلا أن شيئا لم يتغير.. وهذا يعني أن شيئا لم يتغير، لا في وعي الموظف العام، ولا في ثقافته، ولا طبعا في نظم الانضباط، ولا قطعا في اللوائح المنظمة، وهذا يعني أيضا أن الخلل داخلي، وأن أي ميزانيات إضافية لن تفلح في أي نهضة في هذه القطاعات لو ظلت تحكم أو تدار بهذه العقليات أو تتواجد فيها!
نتذكر الآن أول لقطات في فيلم الشموع السوداء للنجم الشهير صالح سليم عندما يصل القطار ببطلته المطربة الكبيرة نجاة، وإذ بالفنان حسين إسماعيل (دنقل) يدون "خمس دقايق تأخير"! الفيلم إنتاج 1962 وبما يجعلنا نعود لأحد أشهر تعبيرات الدكتور هدية "إننا نتقدم إلى الوراء"، ونقول: ليتنا نتقدم إلى الوراء!!!