30 يونيو الحائط والثورة.. مصر بين مشهدين!
المشهد الأول مصر 30 يونيو 1970
كان العدو الإسرائيلي قد أصيب بالجنون فعليا، وحاول بكل ما لديه من أسلحة ومن إجرام وقف بناء حائط الصواريخ بطول قناة السويس.. كان يدرك أن الحائط هو الحل المصري العبقري لإخراج قواته الجوية وذراعه الطويلة كما يسميها من المعركة والمواجهة..
كان التحدي المصري هو إعلان انتصار الإرادة المصرية التي لم تنهزم في 67.. كما حدث مع دول أخرى وقعت على الفور وثائق استسلام.. الشعب المصري البطل الحقيقي ليس فقط في رفض الهزيمة وخروجه ليتمسك بزعيمه وليس فقط لأنه أعاد ترتيب صفوفه بعدها، ولا حتى لأنه من حمل أبناءه السلاح على الجبهة لكن أيضا هو البطل في ملحمة حائط الصواريخ..
هذا الشعب الذي كان ضباطه ومهندسيه وجنوده وفنييه يدركون أن الفانتوم الإسرائيلي لن يتركهم يعملون في موقعهم لبناء إحدى بطاريات الصواريخ، ومع ذلك لم يجبن ولم يعترض ولم يعتذر عن العمل ولم يتمارض ولم يتراجع منهم واحد! حتى سقط الجواسيس واحدا وراء الآخر ممن كانوا يبلغون العدو بأماكن العمل حتى تم تقسيم الملحمة إلى أكثر من خطوة..
خطوة وصول الصواريخ والبطاريات من روسيا.. وخطوة بناء القواعد حتى قرر المصريون التوصل إلى فكرة بناء هياكل خشبية يضربها العدو اعتقادا أنها قواعد حقيقية ثم خطوة الصمود مهما كلف ذلك شعبنا وعلى من لا يعرف أن يعرف أن في مارس 70 تعرض العاملون في الحائط إلى 93 هجمة بالطيران وفي أبريل إلى 96 هجمة وفي مايو إلى 43 هجمة!..
وفي 30 يونيو أعلن الزعيم جمال عبد الناصر اكتمال بناء الحائط الذي يمنع طيران العدو من الاقتراب من القناة حتى 15 كيلو كاملة، وبعدها بأيام أعلن أنه أسبوع سقوط الطائرات المصرية إذ دخل الحائط الخدمة بالفعل وأسقط في أسبوعه الأول حتى 7 يوليو 24 طائرة فانوم وكانت الطائرة الحربية الأولى وقتها ومعها آل سكاي هو وتم أسر 3 طيارين إسرائيليين خلاف من قتل وقام بذلك الكتيبة 416 الرائد محمد عادل حسنين الذي نال بعدها أعلى وسام عسكري وتم تأمين مصر نهائيا، واعتبار 30 يونيو عيدا للدفاع الجوي وبعدها بأقل من ثلاثة أشهر رحل جمال عبد الناصر!
المشهد الثاني 30 يونيو 2013
كما اختطفت بلده أمام عينيه قرر شعبنا أن يستردها وأمام أعين العالم.. الحاسة الثامنة النادرة بين شعوب الأرض تقول إن مصرنا تسير في طريق اللاعودة وإن شكل مصرنا يتغير وإن طال الوقت قد لا نستطيع استعادتها مرة أخرى إلا بثمن باهظ قد يكون حربا أهلية تستمر سنوات.. حدث ذلك في الجزائر.. وحدث ثمن آخر باهظ طبعا في السودان وحدث ثمن ثالث باحتلال حماس أهلنا في غزة ليكون الشعب الوحيد المحتل من قوتين غاشمتين الأولى مجرمة والثانية أيضا مجرمة!
عام واحد كام كفيلا أن يجرب شعبنا الشراب المر.. أو التفاحة المصرية التي كان لا بد أن يجربها بنفسه ليعرف النتيجة.. فقد كان وجودها بغير تجربة مثيرًا لشهوة التجريب.. وكان عام واحد كفيلا أن يشعر من أسهم في تلك الجريمة بالندم.. وكما كان ضياع مصر مدويا قرر أن يكون استردادها مدويا.. أكبر حشد بشري ضد حاكم في التاريخ.. وأكبر تلاحم ممكن بين فئات شعب في التاريخ..
خرج شعبنا وقسمه أن لا يعود إلا ومصرنا عادت.. وشمسها عادت.. ونيلها يجري.. وإرادتها بين يديه.. وقدم الشعب تضحياته طوال عام شهداء وجرحى ومعتقلون ومشردون ومفصولون من أعمالهم وكثيرون دفعوا الثمن تحت وطأة تلفيق اللجان الإلكترونية ضدهم وضد سمعتهم وسمعة أسرهم..
ولم تكن استجابة الجيش لشعبه محل شك.. ولا العمل البطولي الوحيد يومها للجيش والشرطة.. بل ستروي الأيام أدوارا وأدوار لم يحن أوانها.. ولم يجئ وقتها.. حينئذ ستعرف الدنيا أن هنا على هذه الأرض شعب.. هنا شعب مبارك وأرض مباركة وكرامة مصونة وكلهم في حماية رب العالمين.. هكذا تعهد رب العزة للبشرية في كتبه السماوية وبهذا نؤمن ونصدق.. صدق وعده وأعز جنده وحفظ أرضه وشعبه!