رئيس التحرير
عصام كامل

جبر الخواطر


نعمة كبيرة، لو سرت في أوصال المجتمع وبين أفراده، لتبدل الحال إلى غير الحال، وتغير إلى الأفضل، فتحمل في ثناياها معانى الرحمة والألفة وحب الخير للغير دائما وأبدا. متعة ونعمة "جبر الخاطر"، أن ترى كسير النفس فترممه، أن ترى مهزوم الروح فتشده إلى شواطئ الدفء، أن ترى عليل القلب فتداوى ألمه بكلمة، تغير نفسه فتدفعه لحب الحياة.


جبر الخواطر على الله.. نعم على الله وبالناس وبين الناس.

نموذج صادفنى لأحد أساتذة الجامعة، وكانت محاضرته تبدأ في الغالب الساعة الثالثة عصرا، وكان هذا الأكاديمي ثريا وافر المال، لدرجة فتح الله عليه بها أن يوسع على غيره منفقا ومقدرا ظروف الغير.

كان دائما في موعد المحاضرة، وفور دخوله يرسل أحد عمال الكلية ليحضر وجبات طعام لكافة الطلاب الموجودين في المحاضرة، فضلا عن المشروبات، قائلا للعامل في صوت خافت: "الوقت وقت غذاء والأولاد بيبقوا مرهقين ولازم ينتظروا المحاضرة فده أقل شيء علشان خاطرهم وخاطر أهاليهم الشقيانة علشانهم، شوف الأساتذة يحبوا يتغدوا إيه".

فضلا عن سؤاله دائما عن مصروفات الكتب ودفع قيمتها كاملة للطلاب.. مستفسرا عن احتياج كل منهم واحتياج أسرته، فجبر خاطر طلابه فأحبوا مادته وعشقوا علمه وخلقه، وأحبوا العطاء أسوة به.

يقول لى صديقي الموظف البسيط: "آخر النهار لما بروح بلاقى الشنطة مليانة حاجات مش شبه بعضها.. لضامة خيط.. عسلية.. فرش شوز.. قلم جاف.. حاجات يمكن مش هأحتاجها دلوقت أو هأحتاجها بعدين وممكن أنسي مكانها وأشترى غيرها.. بس كسبت (جبر خاطر) بياع يروح لعياله باللى يساعدهم على حياتهم.. الشراء منهم هو عقد اجتماعى تكافلى.. أشياء بسيطة مش هاتكلفك.. هاتدى روح لإنسان تانى محتاج يشتغل ويحس بتعبه.. وهاتلاقى ربنا بيجبر بخاطرك برضه ويقف جنبك لو ضاقت بيك".

كنت دائما ومازلت أكتبها: "لما تشوف بياع متعفف بيجرى على لقمة عيشه تشترى منه بجنيه حتى لو أنت مش محتاج اللى هو بيبيعه.. يبقي ساعدته إنه يتكسب بالحلال بالبيع والشراء وجبرت خاطره وخاطر أسرته أنه يرجع ليهم مبسوط ومرضي، وراء كل باب حكاية، ووراء كل بائع متجول أسرة وأطفال وحكاية معاناة.. فكلنا أسباب لرزق بعضنا".

لا تعنف، ولا تبالغ في الانتقاد فتؤذى روحا طالما كان جبرك لها لن يؤذيها في شيء، وطالما كانت كلمتك ستريح قلبه وتشعره ببعث نسمات الأمل من جديد، فهل فكرت يوما أن كلمتك قد تكون كفارة لك يوم القيامة؟

سألنى صديقي الذي ابتلاه الله بزيادة مفرطة في الوزن، وسلك طريق الريجيم القاسي العشوائي الذي كاد يؤذى صحته: "أنا حاسس إنى خسيت صح؟".

قلت له: "الحمد لله كتير جدا جدا.. بس أنت كده محتاج تنظيم الطعام بتأنى، لإنك بتخس بسرعة رهيبة وده فيه خطورة على وظائف أعضاء جسمك الحيوية".

لم أكن فعليا وقتها أشعر ببوادر تحسن جسده، رأيته يهوى باندفاع نحو الطرق الخطرة في التخسيس، فلو حطمت معنوياته لزاد أكثر في برنامجه العشوائي، فقط حاولت أن أزن معه الأمور بالتفاؤل بفائدة برنامجه وانه بدأ يؤتى ثماره، وما بين التانى من أجل صحته، إلى أن وصل حاليا إلى الوزن المثالى الذي يرجوه بسلام.

قس على ذلك كل المعاملات في حياتك لمن وضعتهم الأقدار والظروف في درجة أقل منك ماديا واجتماعيا، فسلامك باليد على حارس عقارك، وأن تقدم عليك الضعفاء والبسطاء إذا كنت تهم بالدخول إلى أي مكان، أن تجبر خاطر ابنك أو ابنتك المجتهد إذا قلت درجاته على أمل التعويض بالأحسن في القريب، أن تجبر خاطر زوجتك بعد يوم عمل شاق في المنزل والمطبخ، بعبارة "تسلم إيدك"، أن تتلفظ بلفظ حسن مع بائعة خضراوات فقيرة عجوز، كــــ "شكرا ياست الكل"، عبارات بسيطة لها أيما تاثير في نفس متلقيها.

يقولون: "من سار بين الناس جابرا للخواطر أدركه الله في جوف المخاطر"، فلو كانت في نفسك أمنية من الله عز وجل، ايًا كانت في نظر الناس مُستحيلة، فقط، أجبر بخاطر أحد وسترى عوض الله.

ﻜﻠﻤﺔ ﻃﻴﺒﺔ ﺻﺎﺩﻗﺔ تذيب ﺟﺒﻼ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻠﻴﺪ.. ﺟﺒﺮ ﺧﺎﻃﺮ ﻏﻴﺮﻙ ﻴﻨﻘﻰ ﻗﻠﺒﻚ ﺃﻧﺖ، جبر ﺍﻟﺨﻮﺍﻃﺮ ﺻﺪﻗﺎﺕ ﻣﻮﺯﻋﺔ، ﺍﺟﺒﺮ ﺑﺨﺎﻃﺮ ﺃﻫﻠﻚ ﻓﺄﻧﺖ ﻻ ﺗﻀﻤﻦ ﺇﻟﻰ ﻣﺘﻰ ﻫﻢ ﻣﻌﻚ، ﺍﺟﺒﺮ ﺧﺎﻃﺮ ﻣﻦ ﻫﻢ ﺣﻮﻟﻚ ﺩﻭﻣﺎ ﺑﺄﻯ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺗﺴﻌﺪﻫﻢ، فاﻟﺤﻴﺎﺓ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﺻﻌﺒﺔ، وﻠﻨﺨﻔﻒ ﻭﻃﺄﺗﻬﺎ على البعض، فلن تكسب شيئا إذا كسرت نفسا، كلمة طيبة ترد ثقة شخص بنفسه، تهزم يأسا، وتروّح عن روح، وتعلى همة.

فﺳﻼﻡ على قلب طيّب روحا، وبث أملا، وخفف ألما، وردّ يائسا، واضحك مهموما، وأعان مبتلى، سلام ﻋﻠﻰ ﻘﻠﻮﺏ ﻄﻴﺒﺔ ﺃﻳﻨﻤﺎ ﻣﺮﺕ ﺃﺯﻫﺮﺕ.

الجريدة الرسمية