رئيس التحرير
عصام كامل

عبد الله بن الزبير.. حمامة المسجد

فيتو

ولا تزال سير الصحابة والتابعين، تحدثنا بتاريخ ليس بالغريب عنا، ولا بالقريب، لنجد أن الإنسان هو الإنسان لا يميزه ويعلى من قدره إلا التقوى والإيمان، ولا يبقى من السيرة إلا العمل الصالح والدعاء، مهما مرت السنون وتقلبت الأحوال.


واليوم نتعرف على سيرة عطرة من سير صحابة رسول الرحمة، رجل لقب بحمامة المسجد، إنه عبد الله بن الزبير، رضى الله عنه، حوارى رسول الله، أى ناصره، ومن أخلص أصحابه، وأقربهم له، فهو من السابقين الأولين والعشرة المبشرين.

كان "ابن الزبير" يشبه جده لأمه أسماء بنت أبى بكر الصديق، أسمر نحيفا، وشعر ذقنه خفيف، بدت كراماته حينما ولد فى السنة الثانية للهجرة ليكون أول مولود للمهاجرين، حيث أبطل مزاعم يهود المدينة، الذين زعموا أنهم سحروا للمسلمين حتى لا يولد لهم أى مولود ذكرا.

وبدت ثانى كراماته حينما كان "السيف" أول كلمة نطقها، فكان يضرب المثل بشجاعته بشهادة أعداء الإسلام، كنيت به "عائشة" فيقال لها أم عبدالله، وقيل إنه لم يكن أحد أحب إليها بعد رسول الله من أبيها أبى بكر وبعده ابن الزبير.

وتأتى الكرامة الثالثة "لعبد الله"؛ حينما عرف بين الصحابة بأنه ما كان باب من العبادة يعجز عنه الناس إلا تكفله ابن الزبير، فسمى حمامة المسجد، وعائذ بيت الله، كان عالماً زاهداً، روى عنه أنه قسم الدهر إلى ثلاث ليال: ليلة هو قائم حتى الصباح.. وليلة هو راكع حتى الصباح.. وليلة هو ساجد حتى الصباح.

قال عنه عبد الله بن العباس: "قارئ لكتاب الله عفيف فى الإسلام، وجده أبو بكر، وعمته خديجة، وخالته عائشة. وجدته صفية، والله إنى لأحاسب نفسى محاسبة لم أحاسب بها لأبى بكر وعمر".

كان فارس قريش فى زمانه، شهد معركة اليرموك وهو مراهق، كما شهد فتح إفريقيا والمغرب وغزو القسطنطينية، ويوم الجمل مع خالته السيدة عائشة، وله ذكر فى كتب الحديث الشريف، حيث روى فى مسنده 33 حديثاً.

نشأ "عبد الله بن الزبير" فى المدينة المنورة، كواحد من أعيان المسلمين وعبادهم ومجاهديهم، وظل هكذا حتى وفاة معاوية بن أبى سفيان، وتولى ابنه يزيد بن معاوية.

ولما علم "حمامة المسجد" بمقتل الحسين، خطب بالناس وجهر بعدائه للأمويين، فقال له أصحابه: أظهر بيعتك فإنه لم يبق أحد بعد الحسين ينازعك هذا الأمر، وقد كان يبايع سرا ويظهر أنه عائذ بالبيت.

أرسل له "يزيد" يطلبه بالبيعة، فرفض "ابن الزبير"، فأرسل له عشرة من وجهاء الشام ،لإقناعه بالبيعة "ليزيد"، إلا أنه رفض، فأيقن أن الحرب واقعة لا محالة بينه وبين يزيد، فطلب البيعة من تهامة والحجاز، فبايعوه جميعا، وامتنع عليه عبد الله بن عباس، ومحمد بن الحنفية، فأمر "يزيد" عمرو بن سعيد الأشدق، بتجهيز جيش لمحاربة "عبد الله بن الزبير"، فأرسل الأشدق جيشاً تصدى له ابن الزبير وأنصاره وهزموه.

ودان الحجاز "لابن الزبير" فبويع بالخلافة وكان عمره 64 سنة، فى الحجاز واليمن ومصر والعراق وخراسان وأكثر الشام، وبعث عماله إلى هذه البلاد، وبقى مركز الخلافة فى دمشق، وبعض بلاد الشام تحت سيطرة الأمويين.

ولما آلت الخلافة الأموية إلى "عبد الملك بن مروان" جهز له جيشاً بقيادة الحجاج بن يوسف الثقفى فحاصره وضيق عليه، واستمال عدداً كبيراً من رجاله، فاعتصم ابن الزبير بالمسجد الحرام، لكن الحجاج ضربه بالمنجنيق وأصاب الكعبة وهدم بعض أطرافها.

ثم اقتحم المسجد وقتل أمير المؤمنين "ابن الزبير" ليتوفى حمامة المسجد فى شهر جمادى الأولى سنة 73 هـ وعمره بضع وسبعون سنة، ودانت بموته البلاد الإسلامية لحكم الأمويين.

يعتبر بعض المؤرخين من أهل السنة، كابن كثير وابن الأثير والطبرى، أن خلافة أمير المؤمنين، عبد الله بن الزبير، شرعية باعتبار أن معظم الأمصار الإسلامية خضعت له ولذلك يذكر اسمه مع الخلفاء.
الجريدة الرسمية