رئيس التحرير
عصام كامل

الشيخ محمد رفعت.. سوط العذاب وصوت الرحمة.. حفظ القرآن فى العاشرة .. ورتله بقراءاته العشر .. استدعاه محمد على لافتتاح الإذاعة عام 1934

الشيخ  محمد رفعت
الشيخ " محمد رفعت "

لقب الشيخ "محمد رفعت" بسوط العذاب وصوت الرحمة ينتظره عشاق صوته صباحا وهو لا يخلف موعده ولا يتأخر على الخاشعين قط، ففى تمام السابعة والنصف تأتى به إذاعة القرآن الكريم لينفرد بالأثير على مدى النصف ساعة .
صوت رقيق خاشع يبكى الناس عند تلاوته آيات الترهيب وتفرح بذكره آيات الترغيب وعندما يتصدق أى ينطق - صدق الله العظيم- يندموا على مفارقته الأثير ويتمنوا لو استمرت تلاوته أبد الدهر فهو حقا صوت من الجنة.

فى هدوء تستحقه آيات الكتاب الكريم كان يبدأ بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ثم البسملة والترتيل الناعم شيئا فشيئا، بعدها يعلو صوته فهو هادئ متواضع فى بدايته ويصبح بعد وقت قصير كائنا ملائكيا يلامس قلبه السماء من فرط إحساسه بالقرآن الكريم. حروفا وآيات يتلوها الشيخ بقلبه ليمس المشاعر والقلوب.
كان مهتما بمخارج الحروف يعطى كل حرف حقه كى يصل بالمعنى الحقيقى إلى صدور الناس، ينتقل من قراءة إلى قراءة ببراعة وإتقان وكأن صوته يحوى مقامات موسيقية جاهزة ومختلفة تأخذك من مقام إلى مقام دون أن يشعرك بالاختلاف أو يقطع عليك انسجامك ولو لثوان بسيطة.
ولد الشيخ محمد رفعت ذو الاسم المركب فى حى "المغربلين" بالدرب الأحمر بالقاهرة مايو 1882، كان الشيخ "محمد رفعت" مبصرا حين ولد وحتى سن سنتين، إلا إنه أصيب بمرض كف فيه بصره .
وبعدما بلغ الشيخ الخامسة من عمره ألحقه أبوه بكتاب مسجد فاضل باشا بـ"درب الجماميز" بالسيدة زينب لخدمة القرآن الكريم، فأتم حفظ القرآن وتجويده قبل العاشرة، وكان شيخه ومحفظه يحبه كثيرا لإتقانه الحفظ والتلاوة بصوت شجى فعلمه التجويد وأعطاه شهادة إجادة حفظ القرآن وتجويده قبل بلوغه السادسة عشرة.
أدركت الوفاة والده، فوجد الفتى نفسه يتيما عائلا لأسرته، فلجأ إلى القرآن الكريم يعتصم به، ولا يرتزق منه، وأصبح يرتل القرآن الكريم فى مسجد فاضل باشا، حتى عين قارئا بنفس المسجد، فذاع صيته .
لم يكتف الشيخ محمد رفعت بموهبته الصوتية الفذة، ومشاعره المرهفة فى قراءة القرآن، بل عمق هذا بدراسة علم القراءات والتفاسير، واهتم بشراء الكتب . 

أيضا امتاز الشيخ بعفة النفس والزهد فى الحياة وظهر هذا جليا أيام مرضه، فقد عرضت عليه محطات الإذاعة الأهلية قبل إنشاء الإذاعة المصرية أن تذيع له بعض آيات الذكر الحكيم، فامتنع رافضا اجتماع الأغانى والقرآن الكريم عبر الأثير.

وفى عام 1934 كان الشيخ يقرأ فى أحد المآتم إذ استمع إليه الأمير "محمد على" مصادفة فأُعجب بصوته فأرسل إليه وطلب منه أن يفتتح الإذاعة الأهلية بتلاوة القرآن الكريم، وبالفعل افتتحت الإذاعة المصرية فى مايو 1934 وكان الشيخ أول من افتتحها بصوته العذب، وقرأ: "إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا" 
وفى عام 1943 أصيب الشيخ محمد رفعت بعدة أمراض لاحقته وجعلته يلزم الفراش، وكان أخرها سرطان الحنجرة مما منعه من الاستمرار فى التلاوة، بل ومن الكلام أيضا حيث اشتد عليه المرض فى السنوات الثماني الأخيرة من عمره ومنع الصوت الملائكى النقى من الخروج، ومنذ ذلك الوقت حرم الناس من صوته.

الجريدة الرسمية