رئيس التحرير
عصام كامل

حِراك.. يبحث عن نموذج


كان هاجس البحث عن نموذج فى معظم تجارب الشعوب؛ ذات الحراك العفوى؛ يبدد الكثير من الوقت والجهد، وباستثناءات آسيوية قليلة، تحول البحث عن نموذج إلى بديل للبوصلة، وعلى سبيل المثال؛ يتكرر الكلام عبر مختلف قنوات الإعلام فى مصر، عن تجارب من طراز التجربتين؛ التركية والماليزية، رغم أن شعوب هذه المنطقة دفعت ثمن الفشل فى محاولة النسج على غرار نموذج ما، كما حدث فى تجربة ما يسمى التسيير الذاتى، والطريق "اللا رأس مالى" والقطاع العام.


ورغم مرور عامين على الحراك العربى، فى أربعة أقطار، إلا أن النموذج لم تقدمه هذه التجارب، ليس فقط بسبب عدم استكمال التغيير وعبور المراحل الانتقالية إلى الاستقرار، بل لأن لكل قُطْر تجربته، مما يحول إلى حد كبير دون استدراك الأخطاء، وعدم تكرارها، وكأن الجميع يبدأون من الصفر، ومن أول السطر.

رغم كل ما يقال عن القواسم المشتركة لهذا الحراك، وتقارب دوافعه.. فما يحدث فى مصر الآن لا يحتذى ما جرى فى ليبيا أو تونس أو اليمن، وقد لا تُغرى التجربة المصرية بما انتهت إليه من اضطراب وانشطار، وتبادل الاتهامات فى احتكار السلطة أو أَخْونة الدولة؛ أى حراك عربى آخر، يعقبها بأن يقتفى الخطوات ذاتها أو يتخذ من التجربة نموذجاً.

ونحن هنا لا نقترح أسلوباً فى المحاكاة أو النسخ الكربونى للتجارب، بين سابق ولاحق، لأن الاختلاف ليس فقط فى مزاج سياسى سائد، بل يتخطى ذلك إلى أنماط إنتاج وموروث بيروقراطى، وتشكل ديمغرافى، وتجارب إنسانية معقدة، لها أبعاد اجتماعية وثقافية وسياسية وأيديولوجية أيضاً، لا تقبل الاستنساخ، لهذا فشل زعماء واقتصاديون فى استنساخ "مهاتير" محمد، لأن ما ينجح فى مكان ما أو بيئة ما؛ قد لا يُكتب له النجاح فى بيئات أخرى، لهذا يمكننا القول بلا تردد إن الحراك العربى على اختلاف وتعاقب موجاته لا يزال يبحث عن نموذج من خارج مداره.

وهذا هو المعادل الموضوعى لظاهرة أخرى بَرزت فى هذا الحراك، هى غياب الرأس أو القيادة بمعناها الدقيق، وليس بالمعنى الكاريزماتى الشعبى الذى يلح عليه الإعلام، بما ورث من أدبيات وثقافة الحرب الباردة .

وإن كان لا بد من مثال فى هذا السياق؛ فليكن هذه المرة من خارج السياسة، فقد سئل ذات يوم روائى فرنسى هو "روب غرييه" عن التيار أو المذهب الأدبى الذى تنتسب إليه أعماله فأجاب ساخراً “إنها كما هى لأننى كما أنا”.

وكان مِنْ باب أولى أن يجترح حِراك سياسى ما نموذجه من داخله، كى لا يتورط مرة أخرى فى المحاكاة والنقل الآلى، خصوصاً فى منطقة كهذه؛ تحولت لعقود عدة، إلى حُقول تجارب، وأحياناً إلى فئران بيضاء فى مختبرات الرأس مالية والاشتراكية، ثم عادت إلى قواعدها غير سالمة، فانفجرت تناقضاتها من داخلها.

فهل سيتشكل نموذج من مُجمل هذا الحراك، وتجاربه التى لم تعبر بعد المرحلتين الانتقالية والانتقامية؛ إلى حالة من الاستتباب أمنياً واقتصادياً وسياسياً؟.
نقلاً عن الخليج الإماراتية..
الجريدة الرسمية