رئيس التحرير
عصام كامل

أين يقف «القاضى» على بساط الحريات العامة؟


القضاة في مصر مثل كافة المواطنين، يتمتعون بالحقوق التي كفلتها الدساتير والمواثيق الدولية، فيما عدا الحقوق السياسية وفقًا للحظر الوارد في قوانين الجهات والهيئات القضائية.. بما في ذلك حريتهم في التعبير عن آرائهم، باعتبار أن حرية الكلمة والتعبير عن الرأي هي من الحقوق الأساسية التي كفلها الدستور لكافة المواطنين، يمارسونها في إطار من القانون الذي يختلف مداه ضيقًا واتساعًا باختلاف مواقعهم وأحوالهم.


ومن ذلك أن القضاة بخلاف باقي المواطنين ــ يحتم عليهم موقعهم واجبات ينبغي عليهم مراعاتها حتى لا يزجوا بأنفسهم أو بالقضاء في معترك الحياة السياسية والشأن العام، بما يؤثر على حيدتهم والثقة في استقلالهم، وعدم خضوعهم لأية مؤثرات أو أهواء شخصية تنال من هيبة القضاء وقدسيته، إذ تظل للوظيفة القضائية انعكاسها على حرية القاضي في إبداء رأيه في المجال السياسي والشأن العام.

ونعلم كغيرنا أن المركز القانوني للقاضي يغاير أوضاع غيره من كافة المسئولين بالدولة، خاصة في طبيعة العمل لأن عمل القاضي لا يقاس بغيره من العاملين بالدولة، ولا هو يؤخذ بالضوابط المعمول بها في شأن واجباتهم الوظيفية، وإنما تكون مقاييس سلوكه أكثر صرامة وأشد حزمًا.

ومن ناحية أخرى فإن الحريات والحقوق العامة التي كفلها الدستور ليست طليقة من كل قيد، وإنما يجوز تنظيمها تشريعيًا بما لا ينال من محتواها، كما أنه في حالة خلو التشريع من تلك القيود، فإن هذا الفراغ التشريعي لا يخل بحق الجهات المختصة في تنظيم هذا الحق، ووضع القيود التي تحد من ممارسته، بهدف الحفاظ على الأمن القومي أو المصالح العليا.

كما أن حرية الرأي والتعبير تنخرط في مصاف الحريات العامة، وتقييدها دون مقتضى مشروع إنما يجرد الحرية الشخصية من بعض خصائصها ويقوض صحيح بنيانها، لأن الأصل هو حرية الرأي والتعبير والاستثناء هو المنع، إلا أن ذلك لا يعني أن تكون ممارسة هذا الحق بمنأى عن أي قيد، ذلك أن شأنه شأن أي حق من الحقوق العامة يجب ممارسته في حدود القانون، وأن قيام المشرع أو السلطة المختصة بتنظيم ذلك الحق في إطار القانون دون إفراط أو تفريط، لا يعد منعًا أو صدًا عن ممارسة هذا الحق، ذلك أنه لا يوجد تعارض بين الحرية والتنظيم، بل إن التنظيم هو الذي يعطي المناخ الملائم لممارسة الحق وبدون التنظيم تضحى الحرية فوضى لا يمكن لنا أن نحيا في نطاقها.

وعلى ذات النهج فإن مشاركة القضاة ووجودهم في وسائل الإعلام يفتح أبوابًا من اللغط حول أداء وظيفة القضاء التي يجب أن يوفر لها كل ضمانات الاستقلال الحقيقي، وإبعاده عن أضواء الإعلام، وذلك يؤكد الثقة ويبعث الطمأنينة في نفوس كل من يلجأ لساحة القضاء دفعًا لظلم أو طلبًا لحق، وهو ما يبرر صدقًا وحقًا تنظيم هذا الظهور الإعلامي للقضاة حفاظًا على جلال منصبهم ونزاهتهم واستقلالهم كأفراد وكنظام..

خاصة وأن هذا التنظيم لا يحول دون ممارسة القضاة لحرية الرأي والتعبير عن طريق سلوك السبل والقنوات المنظمة لذلك الحق، والتي تهدف إلى الحفاظ على هيبة القضاء وتقاليده وتحفظ استقلاليته وهو ما تواترت عليه المجالس العليا والخاصة بالجهات والهيئات القضائية ومن بينها ما قرره مجلس القضاء الأعلى من عدم إبداء القضاة لأرائهم في وسائل الإعلام بصفة عامة.

وأخيرًا فإن القضاة لهم حرية الرأي والتعبير كباقي المواطنين، إلا أن تصرفاتهم دائمًا تحفظ جلال منصبهم ونزاهتهم واستقلالهم كأفراد ونظام على أن يعلو ذلك على كل اعتبار، للحفاظ على هيبة القضاء وتقاليده واستقلاليته حتى لا يزج بهم في أي صراع سواء كان سياسي أو ثقافي أو اجتماعي أو رياضي، ومن ثم فإن تنظيم الظهور الإعلامي للقضاة يهدف إلى الحفاظ على وقار وهيبة القضاء وقضاته، وصونًا لكرامة الوظيفة القضائية وترفعًا من القضاة عن السعي للبريق الإعلامي.. وللـحـديـث بــقـيـة.
الجريدة الرسمية