إياكم والثقة المطلقة
"إذا كنت تخشى الخيبة تجنب الثقة المطلقة"، وأظن أن المصريين لم يتجنبوا الثقة المطلقة رغم حجم التضحيات والخسائر من جراء الثقة المطلقة.. وثقوا في محمد نجيب فاتضح لهم أنه مجرد كوبري، ووثقوا في عبد الناصر فدفعهم للتظاهر ضد الديمقراطية، وذهب بهم إلى كارثة يونيو؛ لنفقد ثلث مساحة مصر ضربة واحدة ومعها سنوات من الانكسار والهزيمة والذل.. وثقوا في السادات بعد انتصار أكتوبر فانطلق بهم إلى انفتاح غير مدروس، أكل الأخضر واليابس.
وثقوا في مبارك لثلاثين عامًا فذهب بهم إلى أبشع مساحة من التجريف على كافة المستويات، واصل وشرعن للفساد، وعندما سقط اكتشفنا ما هو أعمق وأخطر من الفساد.. وثقت جماهير يناير في المجلس العسكري فكانت الطامة الكبرى، عندما استطاعت جماعة الإخوان اختطاف البلاد عنوة ورغما عن الجميع بما فيهم المشير طنطاوي.. وثقت النخبة في محمد مرسي وجماعته فوصلنا إلى احتلال سيناء بالإرهاب مرة أخرى.
الثقة المطلقة هي السبب الحقيقي للإحساس بالخيبة وعدم تحقيق الآمال والطموحات، وكثيرا ما تختلط الرؤى الساذجة بفكرة الثقة، كأن تتوقع من شخص ما أو مسئول ما، ما لا يستطيع أن يفعله هو، أما لأنه فاقد القدرة على ذلك، أو أنه غير مؤهل للقيام بذلك، أو لأن تقييمنا تأثر بعواطف لا تخضع للمنطق.
أقول ذلك قبيل خوض منتخبنا الوطنى لأولى مبارياته، ومع أداء الحكومة الجديدة اليمين أمام الرئيس، فكلا الفريقين محدود الإمكانيات، واللاعبون سواء على البساط الأخضر أو على مسرح السياسة لا يملكون من القدرات ما يجعلنا نسقط مرة أخرى في مطب الثقة غير المبررة.. حذار من ثقة لم تكن طوال ستين سنة في غير محلها!