حين أدركت أنه العيد
كنت وكان أغلب أبناء جيلي من مواليد السبعينيات، ممن عاصروا في طفولتهم «القرش والشلن والبريزة»، وربما تخطت آمالهم وطموحاتهم نطاق المنطق حينذاك، لتدخل عالم «الربع جنيه» الرحب، الواسع بكل ما نجنى به من «مقتنيات ثمينة» من وجهة نظر طفل في السادسة من عمره.
كوكاكولا أو شيبسي، لبان، بسكويت، دولسي، مسدس بطلق بارود، كبشة بلي، كانت هي العيد بكل تجلياته وأسقف توقعاته لهذا الطفل الصغير.
طقمان وحذاءان في العيد الواحد كانت ثروتى التي أقتنصها من أبي كل عام، مع نصف جنيه إضافية منحة من أمى، وهو ما كنت أدخل به عالم الثراء، من أوسع أبوابه لأشترى ما أشاء، وأمشي منتشيا منتفخ الأوداج بين الأصحاب، مغترا بما تنوء به جيوبي من أموال.
ثم بدأت قيمة عيدتى تتزحزح رويدا، رويدا من الربع إلى النصف جنيه، لتدخل فيما بعد إلى فضاء الجنيه الورقى الكامل ثم الاثنين ثم الثلاثة فالخمسة، فالعشرة، ثم توقفت العيدية ببلوغى سن الرشد الكامل، ودخولى عصر الوظيفة والعمل والاعتماد على النفس والتي بات أبي بعدها يستحى أن يعطينى تلك الجنيهات القليلة، وحينها توقف العيد.
تزوجت وأصبحت لدى مسئوليات جسام من أسرة وأولاد يشتاقون إلى هذا المشهد الممتع عقب كل صلاة عيد، وأنا أستخرج كل ما في جيبي لأعطيه لهم، بنفس راضية فرحة، متذكرًا مغامراتى مع الشلن والبريزة التي تحولت إلى مغامراتهم هم مع العشرين والخمسين جنيها والمائة جنيه.
عوضت عيدى، واختلقت لنفسي عالما خاصا أعيشه بسعادة من حولى من أسرتى إلى أصدقائي إلى زملائي في العمل، أحاول الاستمتاع بالعيد الذي يجلب معه ليالى من الرتابة والملل، باستثناء فرحة أطفالى وهم يلهون معى بألعابهم.
مضي عيد طفولتى مع أبي وأمى، ليأتى عيد أبوتى، عيد إخوتى وأطفالى وأقاربي، وأحبابي، وأصحابي وزملائي، وستأتى أعياد أخرى، ولا أعلم هل أكون من أهلها أم لا، لكنى أدركت أن فرحة العيد في لمحات السعادة في أعين من حولك كافة، في لحظات الحنين إلى الماضي، في لحظات الود والمحبة والصفاء.
كل عام وكل القراء بخير، عيدكم سعيد بإذن الله...