رئيس التحرير
عصام كامل

فرج فودة يواجه عصر الناقة


في ذكرى اغتيال فرج فودة سيكون من المفيد أن نتذكر سويًّا بعض كلماته وأفكاره التي كتبها قبل أن يرحل في الثامن من يونيو عام 1992 مودعًا الجميع بعبارة أخيرة (يعلم الله أنني ما فعلت شيئا إلا من أجل وطني).


اعترف أحد القتلة بأنه لا يجيد القراءة أو الكتابة وكشف أنهم قاموا بالجريمة استنادًا إلى فتوى سمعوها.. قُتل المفكر لأن أحدهم سمع آخر بأنه يستحق القتل!

اليوم سيكتب لنا فرج فودة بنفسه حيث نعرض فقرات من كتابه (حوار حول العلمانية) لعلها تعطي البعض فكرة عن أعماله لكي تزيل قليلًا من الغشاوة التي تكونت لدى البعض نتيجة أكاذيب طالت الرجل في حياته وبعد رحيله.

يقول فرج فودة في كتابه (حوار حول العلمانية) الذي صدر قبل رحيله بخمسة أعوام (من قال إننا نتعرض للإسلام؟ الإسلام في القلب والعقل معًا، لكننا نحتج على دعوتهم للحكم بالإسلام. وهو شيء جد مختلف، لأن الإسلام في رأينا دين وليس دولة) ويستكمل في موضع آخر قائلًا (حسبنا إننا نرعى للوطن حقًا، ونحفظ لأجيال المستقبل أملًا. ونتحسر ونحن نرى العالم يلهث ركضًا للأمام، بينما البعض يهرب للجبال. ويرى الصاروخ فيتحسر على الناقة. ولا يرى في حضارة الغرب إلا شذوذًا ودعارة، ومجونًا وخلاعة، وفسقًا وزنا. وهو في تكراره لهذه الألفاظ، يلفت أنظارنا إلى ما يهتم به، ويدغدغ حواسه، ويملأ عليه نهاره أحلام يقظة). 

ثم يضيف فرج فودة واصفًا مأساتنا بأننا (مختلفون بما فيه الكفاية، مُحبطون إلى أقصى المدى، مشدودون للخلف دائمًا. حتى أنني أحسب أن الأمام لم يُخلق لنا وخلق للغير، وأن المستقبل احتكار للآخرين، وأن الأمل عملة صعبة محظورة التداول. وكثيرًا ما أسأل نفسي لماذا؟ وأحسب أنني أملك إجابة تحتمل كثيرًا من الصواب، وتتلخص في أننا نقلنا عن الغير، ولم ندفع الثمن.

فلكل شيء ثمنه. للديمقراطية ثمنها. وللعلمانية ثمنها. وللحضارة ثمنها. ولحقوق الإنسان ثمنها. وقد دفع العالم المتحضر ثمن ذلك كله من دماء أبنائه، ووصل إلى ما وصل إليه عابرًا بحورًا من دم، وسائرًا فوق أجساد الآلاف من الضحايا. ولهذا يعض على ذلك كله بالنواجذ، ويتمسك به تمسك من حصل على الشيء بجهده وجده، وعرقه ودمه.

بينما تلقينا نحن كل ما سبق دون جهد. نقله الرواد إلينا، فعز علينا أن نتمسك به، وصعب أن ندافع عنه. وما همنا في كثير أو قليل أن نفقد جزءًا منه أو كله. وأجزم أننا سوف ندفع الثمن عن قريب إلا إذا استيقظ كل صاحب ضمير حر، وكل مخلص لوطنه حريص على تقدمه، وأعلن بأعلى صوته لا، لا للدولة الدينية).

في ذكرى اغتيال فرج فودة لا يزال حضوره قويًا، وكلماته لديها القدرة على التأثير ومواجهة من يتحسرون على "الناقة" في عصر الصواريخ.

الجريدة الرسمية