مش عارفين نتهنى بالحكم
قالها الشاب الإخواني بأسى شديد، عندما طلب منه بإلحاح صديق عزيز أن يقول الحقيقة، كان ذلك في نهاية نقاش "طويل عريض" تحصن فيه الشاب بكل أكاذيب التنظيم السري الذي ينتمي إليه، ولكنها كلها في النهاية لم تفلح في إخفاء حقيقة أنه مصدوم، فلم يكن يتصور " أنهم هيصحوا كل يوم على مصيبة ".
ربما لا يكون هذا الشاب وحده هو المصدوم، ففي الأغلب الأعم ستكون الأكثرية من الإخوان هكذا، ففي الأغلب كانوا يتصورون أن الأمر سهل بمجرد اعتلائهم للحكم، وبمجرد البدء في تنفيذ مخططهم للتمكين والسيطرة على الدولة.
هذه الصدمة لا تعني أنهم سيصلون إلى النتيجة المنطقية، وهي أنه من المستحيل أن "يتهنوا" بالحكم، دون التراجع عن الكوارث التي فعلوها ودون أن يتخلوا عن الاستبداد ودون أن يشاركوا باقي القوى السياسية في وضع أسس الدولة المصرية الحديثة .. أي يضعوا دستوراً لكل المصريين، وإطلاق الحريات الفردية والعامة، وعدم المساس بمؤسسات الدولة.
فأعضاء جماعة الإخوان يتعاملون مع مشروعهم السياسي باعتباره مشروعًا إلهيًا، ومن ثم فمن المستحيل التخلى عنه بسبب "شوية كفرة في الميادين والفضائيات".. بل ولا يمكن التخلي عنه حتى لو رفضته أغلبية الشعب، فهل إرادة الشعب فوق إرادة الله جل علاه؟.
بالطبع لا، فليذهب الشعب إلى الجحيم، ومن ثم فهذا المشروع الإلهي، وهو في الحقيقة إخواني، يمكن تأجيل خطوات فيه، ولكن لا يمكن أبداً التنازل عنه أو حتى تغيير بعض من ملامحه.
لذلك لا أتصور أن الضغوط الهائلة التي تمارسها القوى المعارضة والعديد من قطاعات المجتمع، يمكن أن تغير شيئاً من عقيدة التنظيم السري للإخوان، وإذا حدث وتم إجبارهم بشكل أو بآخر على ترك الحكم، فسوف يتحولون إلى حرب عصابات مسلحة، ففي عقيدة كل إخواني، وكل من ينتمي إلى التيار الديني، الموت من أجل هذا المشروع هو طريقة لدخول الجنة.
لذلك لا أراهن كثيراً على إحباط الشاب الإخواني، ولا على إحباط حتى كل شباب الإخوان، ولا على أنهم "مش عارفين يتهنوا بالحكم".. فتغيير طبيعة هذا التنظيم السري سوف تستغرق عقوداً، وسيكون ثمنها الكثير من الدماء، دماء المصريين، وهي كما يعرف القارئ الكريم رخيصة في عقيدة كل الديكتاتوريين.