رئيس التحرير
عصام كامل

حكومة المغرب وزلزال المقاطعة.. هل يرفع «البلوكاج» الحقيقي

فيتو

استقالة وزير مغربي بعد مشاركته في مظاهرة إلى جانب عمال شركة متضررة من المقاطعة يطرح العديد من التساؤلات: هل بدأ عِقد حكومة سعد الدين العثماني ينفرط؟ ما البدائل؟ أليست الأزمة أعمق من مجرد تغيير أو تعديل حكومي؟

انضامم لحسن الداودي، الوزير المكلف بالشئون العامة والحكامة في المغرب للاحتجاجات التي نظمها عمال شركة الحليب المغربية الفرنسية "سنترال دانون" والمتضررون من مقاطعة المغاربة لمنتجات الشركة، له دلالات عميقة.

وتكشف هذه المشاركة مدى تأثير حملة المقاطعة، التي انطلقت قبل ستة أسابيع، من العالم الافتراضي لتهز على أرض الواقع كيانات كبرى الشركات في المغرب، ليس هذا فحسب، بل وضعت "الاقتصاد إما الخطر"، وهو الشعار الذي همس به الداودي في أذن أحد المتظاهرين ليتبناه مباشرة.

لكن مسارعة حزب العدالة والتنمية الإسلامي إلى تبرئة نفسه من تصرف الوزير، ووصفه لمشاركته في التظاهر بأنه عمل "مجانب للصواب وأنه تصرف غير مناسب" له دلالات أعمق بكثير.

وهي تبدأ من تخبط الحكومة في كيفية التعامل مع حملة المقاطعة، مرورًا بمحاولة كل طرف بإجبارها لخدمة مصالحه والنيل من منافسيه المحتملين في المرحلة القادمة، وصولاً إلى مخاض عسير يشهده المغرب وسيؤدي حتما، إن آجلاً أم عاجلاً، إلى إعادة تشكيل الخارطة الحزبية في البلاد، خصوصًا أن حكومة العثماني، التي تضم الإسلاميين والاشتراكيين والليبراليين وأطيافًا أخرى، قد أثبتت - بحسب مراقبين- عجزها في التعامل مع السخط المتنامي لدى الشارع المغربي.



من "بلوكاج" إلى "بلوكاج"

مما لا شك فيه أن حكومة العثماني التي خرجت بعد مخاض "البلوكاج (الانسداد) السياسي" الذي استمر نصف عام، تجد نفسها اليوم، أي بعد عام على تشكيلها، أمام "بلوكاج" من نوع آخر. "فالأمر ليس بغريب، إذ إن نفس المنطلقات تؤدي إلى نفس النتائج"، كما يرى أحمد البوز، أستاذ القانون بجامعة محمد الخامس بالرباط، وأكد البوز في حوار مع DW عربية "أنه وفي ظل السياق الذي ولدت فيه هذه الحكومة، لم يراهن أحد على أنها ستكون في وضعية أحسن مما هي عليه الآن".

فبعد ستة أسابيع على انطلاق المقاطعة، وصلت خسائر شركة سنترال دانون وحدها إلى 16 مليون دولار، فيما تم الاستغناء عن المئات من العمال، بينما لم تتخذ الحكومة إلى الآن أي إجراءات حقيقية لإقناع المقاطعين بالعدول عن قرارهم. ليس هذا فحسب، بل وجد العثماني نفسه أمام مهمة جديدة لرأب الصدع في حكومته.

لكن المهمة الصعبة للعثماني ليست في تقديم طلب للملك محمد السادس بإعفاء الداودي ومن ثم البحث عن بديل له، ولكن الأهم من ذلك هو التخفيف من ارتدادات زلزال المقاطعة على التشكيلة الحكومية كلها وعلى مستقبل حزبه. ولا يستبعد أحمد البوز أن تتسبب المقاطعة، في حال استمرارها وعدم التعامل معها بعمق، في زلزال سياسي آخر، أو في إقالة الحكومة كلها"، لكن يبقى السؤال الأهم بحسب البوز: "هل سينهي ذلك المأزق السياسي والاجتماعي الذي يمر به المغرب؟".

الأزمة أعمق

آخر التحركات، التي تحدثت عنها الصحافة المغربية، هي عزم حزب الأصالة والمعاصرة المعارض على إسقاط حكومة سعد الدين العثماني، في الأيام القليلة المقبلة، وأكدت هذه التقارير الإعلامية أن الحزب بدأ مشاوراته لتقديم ملتمس رقابة من أجل إسقاط الحكومة، فقد كان حكيم بنشماس، قد أعلنها صراحةً بعد انتخابه على رئاسة حزب "الجرار" أن هدفه الأساسي هو "الوقوف في وجه الإسلام السياسي"، في إشارة إلى حزب رئيس الحكومة سعد الدين العثماني.

بيد أن الأستاذ البوز يشكك في قدرة هذا الحزب على أن يكون البديل المطروح في المستقبل، قائلاً: "إن حزب الأصالة والمعاصرة في مرحلة انتقالية، وهو يعيش عقدة التأسيس، باعتبار أنه حزب نشأ في كنف الدولة، وإعادته إلى الواجهة يعني العودة إلى مرحلة ما قبل 2011". أما بخصوص حزب التجمع الوطني للأحرار، "فهو يعيش الآن أزمة حقيقية، وحتى إن توجه فعل المقاطعة إلى رئيسه عزيز أخنوش"، الذي يشغل منصبًا وزاريًّا في حكومة العثماني.

وبهذا "فإن الدخول في انتخابات مبكرة قد تعيد إنتاج نفس التركيبة القائمة حاليًا. ولكن هل يمكن لأي حكومة جديدة أن تملك إرادتها، ومن ثم يمكنها أن تكون قادرة على تنفيذ اختياراتها؟"، يتساءل أحمد البوز أستاذ القانون بجامعة محمد الخامس بالرباط، وهو التساؤل الذي يؤشر إلى أن الأزمة في المغرب أعقد من قضية تغيير حكومي أو تنظيم انتخابات جديدة.

"فالمطلوب الآن تغيير أساليب الممارسة السياسية بشكل جذري، وترك الأحزاب السياسية إمكانية العمل بحرية، وتنفيذ برامجها التي أوصلتها إلى الحكم، ولن يكون ذلك إلا عن طريق إعادة النظر في الأدوار والوظائف التي تلعبها الحكومة والمؤسسة الملكية"، يقول البوز.

وعن إمكانية تدخل الملك، كما وقع في أحداث سابقة، لتهدئة الشارع، فقد أكد أحمد البوز أن "المطلوب الآن ليس حلولاً آنية، بل إيجاد حلول جذرية تتجاوز المرحلة إلى ما هو أعمق"، في إشارة منه إلى تكريس استقلالية عمل الحكومة، محذرًا في الوقت ذاته من أن "كل المؤشرات تبرز أن المقاطعة الاجتماعية هي مقدمة لمقاطعة سياسية. فالمقاطعة الاجتماعية الحالية إشارة واضحة لعدم وجود ثقة في الطبقة السياسية".

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل


الجريدة الرسمية