سلوى محمد علي.. بنت المسرح التي غزت السينما والتليفزيون
في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، كانت في انتظار نتيجة الثانوية العامة على أحر من الجمر للالتحاق بإحدى الكليات العملية أو النظرية، تحقق حلمها وعائلتها البسيطة، كالآلاف من مثيلاتها من فتيات المدرسة التي درست بها المراحل التعليمية المختلفة، إلا أن الحظ لم يحالفها، انخفض مجموعها بشكل كبير، أغلقت أبواب الفرص للالتحاق بأية كلية، لم تجد أمامها إلا "معهد الفنون المسرحية" وما حمله معه من صدفة وترتيبات قدرية دفعت بـ "سلوى محمد علي" دفعا نحو عالم المسرح والتمثيل.
" بعد أن دخلت المعهد لم أكن أتخيل أنني سأصبح ممثلة ولو لحظة واحدة. أنا كنت بدرس فيها على أساس هتعين مدرسة مسرح في أي مدرسة بعد ذلك، وبالفعل جالي تعيين وفرصة للعمل كمدرسة مسرح، بس كنت بالفعل انخرطت في التمثيل وحبيته وتعلقت به فرفضت الابتعاد عنه من أجل وظيفة مدرسة مسرح بإحدى المدارس، تتحدث الفنانة سلوى محمد على، السيدة الخمسينية التي أضفت طابعها الخاص على كل عمل سينمائي أو تليفزيوني يقدم في إطار الموسم الرمضاني أو خارجه، لتصبح سيدة "في جانب آخر" من عالم التمثيل مهما اختلفت ملامح الشخصية التي تقدمها، "فلا رمضان بدون سلوى محمد على"، كما أطلقت عليها إحدى معجباتها. حتى وإن تأخرت شهرتها لأكثر من ثلاثين عاما!
البداية مع المخرج المسرحي "جلال الشرقاوي"
في عام 1988، وبينما كانت سلوى مازالت في سنواتها الدراسية بالمعهد، عُرض عليها المشاركة في مسرحية يخرجها القدير "جلال الشرقاوي"، تحت عنوان، "على الرصيف"، فلم يكن عليها إلا أن توافق وتنخرط منذ تلك اللحظة في عالم التمثيل المسرحي، فتعد نفسها محظوظة لمرورها أولا بمعبر التمثيل المسرحي الذي يصنع ممثلا ذا ثقل ليس "مشخصاتيا" فحسب، تقول سلوى: "أنا من وأنا في المعهد كنت بمثل، ابتعدت بعد التخرج نحو خمس سنوات لأني تزوجت وأنجبت توءم فكان من الصعب التوفيق بين هذا وذاك، فابتعدت تماما خلال فترة الخمس سنوات، لكن من أيام المعهد بمثل إذاعة ودوبلاج وأدوار صغيرة، أذكر بدايتي كانت مسرحية على الرصيف إخراج جلال الشرقاوي وتمثيل سهير البابلي وحسن عابدين، ومثلت بعد التخرج في المسرح المستقل والمسرحيات المستقلة المجانية، إحنا اللي كنا بنكلف الديكور والملابس"
بداياتها مع المسرح جعلته رقم 1 في حياتها الفنية، تعده المملكة الخاصة للممثل التي تفرد له المساحة الكافية من الإبداع واستخدام أدواته الفنية، "أنا شايفة نفسي محظوظة إني بدأت وكبرت بالمسرح، كل عمالقة السينما والدراما أساسهم المسرح ليس في مصر فحسب ولكن العالم كله"، تتابع سلوى.
"أجد متعتي في العمل ببرامج الأطفال"
عملها في فن الدوبلاج منذ السنوات الأولى بالجامعة، جعلها تختلط بعالم الكارتون وصانعيه، من بينهم منتجي برنامج الأطفال الأشهر خلال العقدين الماضيين "عالم سمسم"، "أنا سمعت إنهم بيعملوا عالم سمسم، وكنت صديقة للشركة المنتجة لأني اشتركت معهم في أعمال سابقة، قابلت تامر محسن واتفقنا على المشاركة في كل الأجزاء الخاصة بالعمل، كنت حابة الفكرة جدا خاصة إنها مستوحاة من أحد برامج الأطفال الأوروبية الناجحة جدا فكنت بتمنى نعمل حاجة زي كدة في نصر وفرحت لأني لقيت الأمنية تحققت".
لم يكن برنامج عالم سمسم أول مشاركة لسلوى في عالم برامج الأطفال، فقد سبق وقدمت شخصية "زيزي" ونيسة "طنط شفيقة" في المسلسل الرمضاني الاشهر "بوجي وطمطم"، "أستاذ رحمي أضافني للعمل بعد فترة من انطلاقه، وزيزي عمري ما هنساها لأنها كانت طفلة شقية جدا وعفريتة، وكانت بتفكرني بنفسي وبرجع طفلة طول منا بمثلها"، مازالت زيزي هي الأكثر تأثيرا وترسخا في ذهن سلوى بالرغم من الرصيد كبير من العمل التليفزيوني والسينمائي.
كلمة السر.. "النجومية لا عُمر لها"
"نصيبي في النجومية أخذته كاملا الآن، في بداياتي زمان لا أظن أن أحدا قد عرفني من خلال أعمالي، لأن جمهور المسرح قليل، خاصة إني كنت بشتغل في المسرح الثقافي المستقل، وجمهورها ليس من المتخصصين، معظم مسرحياتي جمهورها كان قليل جدا فهذا لا يصنع نجم، لكنه يصنع ممثلا ذا ثقل مهما كان الدور الذي يقدمه"، على عكس دأب الممثل للوصول إلى مرتبة النجومية والألمعية منذ بداية دخوله عالم التمثيل، وجدت سلوى أن صناعة الممثل والفنان لا بد أن تحظى بالمزيد من الاهتمام والسعي، حتى لو تطلب الأمر سنوات قد تتخطى الثلاثين عاما!، "جميعنا في هذه المهنة نعمل في انتظار التليفون أنا وحظي لو في وقت توزيع الأدوار لو افتكروني ووضعوا اسمي، أيامي لما كان ينفع أكون نجمة شابة، كانت النجمة من مواصفاتها كانت البنت الجميلة، ولا أقصد بالجمال فقط جمال الملامح وحده بل جمال الروح، والموهبة تضفي جمالا إضافيا على الشخصية، أنا طوال السنوات الماضية دي كنت بصنع حياتي وشخصيتي وخبراتي الخاصة، والمسرح أعطاني مساحة واسعة وكبيرة من تكوين الشخصية" تتحدث سلوى.
أحمد زكي شكل شخصيتي الفنية
الطابع الذي تبدو عليه شخصية سلوى محمد على الفنية، نحتها وشكلها موقف دق جدران ذاكرتها منذ تسعينات القرن الماضي وما زال يدقها حتى هذه اللحظة، تحكي سلوى قائلة : "كنت أمثل فيلم البطل مع الفنان "أحمد زكي"، في ستوديو الجابري، فجأة وجدت أحمد زكي واقف مع رجل قاعد ورا الباب يشد الباب بالحبل يغلقه أو يفتحه، فجأة أحمد زكي قاله إنت قاعد بتعمل إيه هنا ؟! الوحيد اللي أخذ باله من هذا الرجل الذي لا يفعل شيئا على الإطلاق ودفعه للاشتراك في العمل، في حين إن كلنا داخلين خارجين على الرجل ومأخدناش بالنا من العالم المحيط والناس اللي حواليه، أنا من يومها تعلمت أخذ بالي من كل شيء حولي، بعتبر الموقف ده هو ما شكل شخصية سلوى محمد على الفنية التي تبحث عن التفاصيل الإنسانية في أي شيء".
شخصيتي في مسلسل طايع مستوحاة من شخص "جدتي"
في مسلسل "طايع" الذي يذاع على عدد من الفضائيات المصرية والعربية، خلال أيام شهر رمضان للعام الحالي، بطولة "عمرو يوسف" وإخراج "عمرو سلامة"، كان لسلوى دور بارز وأثر كبير خلال سير الأحداث، من خلال "درية" زوجة" العمدة ووالدة مهجة الفتاة المهددة بالقتل بين الحين والآخر، وقدمته الأردنية "صبا مبارك"، فوراء نظرات القوة التي تسددها درية لابنتها، ورباطة الجأش التي تحلت بها بعد مقتل ابنتها الوحيدة، كانت جدة سلوى كامنة خلف تلك التفاصيل، "أنا استوحيت شخصية جدتي في دور درية زوجة العمدة ووالدة مهجة، هي سيدة صعيدية وأنا بالأساس صعيدية أبا عن جد، أنا مولودة في قنا وأبي من سوهاج وأمي من الأقصر، فطابع الست الصعيدية وبالتحديد جدتي السيدة القوية رغم حنيتها وحبها لأبنائها إلا أنها قوية وصلبة في نظراتها وإيماءاتها، حاضر في كل مشهد".
مشاركتها مع هنيدي بعد 18 عاما
"مسلسل أرض النفاق بالنسبة لي بونبونة السنة الحالية"، كان هذا العمل فرصة كبيرة لها، تعد محمد وجه الخير وفاتحة الأمل لها، فمنذ نحو 18 عاما أثناء تصويره فيلم "جاءنا البيان التالي"، هاتفها أحد صناع العمل، لإخبارها برغبتهم في إشراكها من خلال دور "كومبارس" متكلم" ميرفت"، وجدت نفسها تعرض على المخرج "سعيد حامد" تغيير أسماء الشخصيات إلى "ميرفت وعلاء"، لكي تنطق الاسمين على الشاكلة التي كانت عليها خلال المشهدين الخاصين بهما، "فتعلم" في رأس الجمهور، وبالفعل وافق حامد "لا أدري حتى هذه اللحظة من أين أتيت بهذه الجرأة؟!"، رغبتها في الحصول على مكان داخل العمل والتزاحم من أجل ترك أثرها ذي المذاق الخاص هو ما دفعها لهذا الأمر. " بعد هذا الدور توالت على الأدوار الأكبر من ميرفت مثل فيلم هندي والنعامة والطاووس، فوجدت أن ميرفت والفنان هنيدي وشهم حلو عليا، فضلا عن اختلاف الدور عن المألوف عني وهو تقديم دور الأم فحسب، لكن هذا التنويع أفضل بالتأكيد".