رئيس التحرير
عصام كامل

الاختلاف قوة


للمرة الثانية يطرح الرئيس عبد الفتاح السيسي، ملفًا هو الأكثر أهمية الآن، وهو ملف «قوة الاختلاف»، عندما قال حرفيًّا في خطاب ولايته الثانية: «كل اختلاف هو قوة مضافة إلينا وإلى أمتنا»، وهو الملف الذي انطلقنا منه في «فيتو» إلى إطلاق مبادرة الصوت الآخر؛ لنقدم للحياة السياسية والفكرية والثقافية نموذجًا للحوار الهادف والمعارضة الوطنية التي تختلف من أجل البناء، وليس الهدم أو التشكيك.


ولعلنا نكون قد حققنا الهدف عندما نقول للسيد الرئيس إن إيمانه بضرورة الحوار وممارسة النقد الموضوعي بحاجة إلى تفعيل من بعض أجهزة الدولة، فالحكومة على سبيل المثال لا تتعاطى مع مشكلات الناس على الأرض، مما يزيد الأمور تعقيدًا، ويلقى على عاتق مؤسسة الرئاسة تبعات ممارسات قد يظن البعض أنها راضية عنها، ونخص منها عدم طرح القضايا الشائكة على الحوار المجتمعي بهدف المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار.

أيضًا لا نتصور أن مجلس النواب بكل تشكيلاته غير قادر على إدارة حوار بناء وإمكانية قبول الصوت الآخر، وممارسة التعنت ضد كل مَنْ يطرح أفكارًا مغايرة لما تطرحه الحكومة، حيث تشهد إدارة الجلسات حالة من التهميش والإقصاء في واحد من أهم مؤسسات الحوار، استجلاءً للحقيقة وتأكيدًا على مبدأ الرأي والرأي الآخر، فاختفى الرأي الآخر إما تطفيشًا أو فصلًا من البرلمان أو تهميشًا أو تشويهًا.

ورغم أنني من المؤمنين بأن المعارضة مسئولية وأن الحرية إن فقدت مسئولياتها تجاه قضايا المجتمع تحولت إلى فوضى، فإنني أقف رافضًا التعامل الأمني العصبي بمحاولة إلصاق تهمة الانضمام إلى جماعة محظورة ضد شخصيات كان لها موقفها من الجماعة الإرهابية في ٣٠ يونيو، وكانت معنا في مواجهتنا الصلبة ضد اختطاف الدولة المصرية، إذ إن ذلك يؤدي إلى التشكيك في الإجراءات القانونية التي تلي عمليات القبض وتوجيه هذه الاتهامات.

«للديمقراطية أنياب».. عبارة أطلقها الرئيس السادات عندما استشعر أن معارضة قوية تنمو دون معايير ضابطة، وأتصور أنه كان يقصد أن القانون كفيل بمواجهة هذا النوع رغم أنه لجأ إلى عمليات استثنائية ضد معارضيه فكان ما كان.. أعتقد أن المجتمع نضج والشعب الذي أسقط بعد عام جماعةً كانت تتصور أنها باقية لخمسمائة عام أو خمسين عامًا، هو مجتمع قادر على الفرز والتجنيب ويجب أن يحظى بمساحة من التجربة.

ولكي ننتقل من خانة الدعوة إلى التطبيق أظن أن حوارًا وطنيًا بين التيارات السياسية أصبح ضرورة لتحديد الأولويات والقضايا الوطنية الملحة والنقاش حولها بجدية، من شأنه أن يخلق مساحات مشتركة للالتفاف حول القيادة السياسية، وخلق أدوات حوار وآليات نقاش تضمن صيرورة منضبطة نحو الأهداف، وعلى أساسها نمارس حق الاختلاف والنقد وطرح الرؤى بشكل يليق بما نواجهه من تحديات.. معارضة تدفع أولى الأمر إلى الأمام وتأخذ بأيديهم إلى بر الأمان، وتقدم ما يمكن أن نسميه «نقطة انطلاق نحو الهدف».
الجريدة الرسمية