صلاح ومحمد رشوان.. والرياضة أخلاق!
سقط محمد صلاح على الأرض، فتألمت ملايين القلوب، خسر ليفربول وفاز ريـال مدريد، ولكن كان النجم الأول بعد المباراة هو محمد صلاح الذي أصيب ولم يكمل المباراة، ومع هذا كان النجم الأول الذي سيطر على الإعلام العالمى، وبلا شك أن مكانة هذا النجم لم تحدث من قبل، فلم يحدث أن اجتمع المصريون بل والعرب على حب وعشق نجم مثلما حدث مع محمد صلاح..
وعشق الملايين له تجاوزت الجميع في أوروبا وخاصة الجمهور الإنجليزي وتتابعه الجماهير الإسبانية طمعا في أن ينضم إلى أحد فرسانها ريـال مدريد أو برشلونة، ونعود إلى مصر فلم يحدث أن نجما مصريا في أي مجال نال متابعة وحبا وعشقا مثلما نالها هذا الشاب القادم من ريف مصر الطيبة..
وهنا أريد أن نقلب الصفحات في الثمانينيات، وبطل مصر الفذ محمد رشوان، يلعب على الميدالية الذهبية في أولمبياد لوس أنجلوس 84، وبالرغم أن منافسه اليابانى كانت ساقه مصابة وكان في متناول يده أن يلعب عليها ويحقق الذهبية بسهولة إلا أنه لم يفعل وخسر الذهبية ولكن كسب حب واحترام العالم، في نفس اليوم أصدرت منظمة اليونسكو بيانا أشادت فيه بموقف اللاعب محمد رشوان ومنحته ميدالية الروح الرياضية من منظمة اليونسكو والتي تعتبر روح الألعاب الأوليمبية قبل أي نتائج..
كما منح جائزة اللعب النظيف عام 1985م، وجائزة أحسن خلق رياضي في العالم من اللجنة الأوليمبية الدولية للعدل، نسى العالم الذي حصل على الذهبية واحتفل بالخلق الرياضى الرفيع ولا يزال حتى الآن نجما في بطولات العالم والأولمبياد يدعوه العالم من أجل تقديم النموذج والقدوة للاعبين وللعالم لأن الرياضة أولا أخلاق والبطولات ثانيا..
أريد الربط بين خسارة البطل محمد رشوان الذهبية واحتفال العالم وتقديره لخلقه الرياضى الرائع، وبين إصابة النجم محمد صلاح وعدم استكمال المباراة وخسارة فريقه، ومع هذا كان النجم وحديث العالم بعد المباراة، ونال تعاطف وحب وتقدير الجميع بما فيهم عدد من لاعبى ريـال مدريد، وإذا كان لاعبا موهوبا فهو لاعبا يتمتع بخلق رياضى رائع وعندما تجتمع الموهبة والخلق الرياضى سنجد نجوما فوق العادة مثل محمد رشوان ومحمد صلاح، نجوما تتألق في سماء العالمية..
الفارق الوحيد بينهما أن البطل رشوان كان نتاج رعاية الدولة ودعمه للتدريب لشهور طويلة في اليابان وتحملت اليابان جزءا من هذه الرعاية، أما النجم محمد صلاح فقد اعتمد على اجتهاده وبذل جهودا هائلة ليحقق ذاته في مصر وفى منتخبات الناشئين، في نادي المقاولون بعيدا عن أضواء الأهلي والزمالك التي كثيرا ما تكون سببا في حرق الموهبة.
نريد التأكيد على أن الرياضة ليست كرة القدم فقط، وليست كما يعتقد البعض تضييع للوقت، الرياضة كما يدرك العالم هي علم وحق من حقوق الإنسان، فهى مثل الماء والهواء، ويجب أن تكون ممارسة الرياضة شيئا مقدسا للكبير والصغير، لأنه ينعكس طبيعيا على الحياة كلها، صحيا للمواطن البسيط، في الإنتاج يزيد، وهناك أمر في منتهى الأهمية أن الرياضة أحد أهم المجالات التي تتبارى فيها الدول وتحاول أن تثبت أمام العالم أنها متقدمة رياضيا، أي علميا، أي إداريا، أي تخطيطيا..
ففى السباحة أو ألعاب القوى على سبيل المثال تحقيق الأرقام في هذه الألعاب تعبر عن منظومة العلم وكيفية استخدامه في مجال الرياضة، الفائز بجزء من الثانية هذا لا يأتى بالصدفة أو بالدراع، وإنما بالعلم والتخطيط، أبطال الجمباز مثلا يتم إعدادهم منذ الطفولة ويتم رعايتهم سنوات طويلة حتى يشارك ويحقق البطولات الأوليمبية والعالمية..
ولهذا نجد الدول المتقدمة علميا وثقافيا واجتماعيا هي التي تتصدر البطولات العالمية، والدول دون ذلك لا تحقق الصدارة أو تقترب منها وإنما تكون في ذيل الترتيب، الرياضة ليست كرة قدم فقط، ولكنها عالم يعبر عن مدى تقدم الدول، وأذكر بعد أولمبياد 1988 تقدم وزير الرياضة في الاتحاد السوفيتي باستقالته، والسبب أنه تقدم قبل أربع سنوات من الأولمبياد بأنهم سيحققون عددا من الميداليات ولكن ما تحقق جاء بأقل بميدالية ذهبية واحدة وبالتالى لم يتحقق ما تم الإعداد وتكلفة الدولة من جهد وأموال وعليه فقدم استقالته! بسبب ميدالية واحدة تقدم الوزير باستقالته!!
هذه الواقعة لها أكثر من مغزى التخطيط العلمى ودراسة كل الألعاب ومعرفة المكانة الحقيقية لمستوى الألعاب التي تشارك فيها الدولة، ولم تترك شيئا للصدفة أو الظروف لأن كل خطوة تتحمل فيها الدولة ميزانية ولا بد أن توضع في المكان المناسب!
بعد تجربة محمود الجوهري الذي أصبح عنوان كل مانشيتات الصحف المصرية والإعلام عامة، كتب الجميع اجعلوا نجاح الجوهرى تجربة للاستفادة منها في مناحي الدولة عامة.. والرياضة خاصة.
اجعلوا تجربة النجم محمد صلاح مدخلا تستفيد منه الرياضة المصرية.. الرياضة لم تكن كرة فقط.. وليست فهلوة وتضييع وقت.. إنها إحدى سمات التقدم والتحضر في العالم.
تذكروا روح الانتصار في العاشر من رمضان - السادس من أكتوبر- .. وتحيا مصر.