في بيت هندي!
لبيت وبعض أصدقائي دعوة دكتورة هندية إلى منزلها في الأطراف الشمالية لمدينة دلهي العريقة وخلال الزيارة تبادل والدها الحديث معنا عن الأوضاع في الشرق الأوسط والمحاولات المستمرة للتدخل الأمريكي في شئون الدول العربية، كان حديث والد الصديقة الهندية ناقدًا لعدم الوحدة العربية وناقدًا للسياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط كان الرجل منصفا في نقده قارئ جيد للأحداث في المنطقة مهتم جدًا بالشأن المصري..
أستأذننا الرجل للدخول لغرفة مكتبه وعاد بعد دقيقة في يده عدة أوراق مكتوبة بخط يده وكان المفاجأة أن الأوراق تضمنت أهم المواقع الأثرية في مصر في القاهرة والجيزة وأسوان والأقصر، كنت أشعر بالفخر والرجل يقلب أوراقه المكتوبة بخط يده ويحدثني عن روعة التاريخ المصري القديم، وعندما تركنا الرجل لبرهة توجهت بالسؤال لابنته هل والدك أستاذ في العلوم السياسية أو الحضارة أو التاريخ؟ أو له شأن سياسي فكانت الإجابة أن والدها مهندس فأيقنت أن الثقافة لا ترتبط بالدراسة أو طبيعة العمل! على أي حال ربما خلال الأشهر القليلة القادمة ستزور الأسرة الهندية مصر وسأكون حريصًا على استقبالهم وضيافتهم.
الحديث كان متصلًا عن التجربة الهندية والتحرك الإيجابي للدولة نحو التنمية الاقتصادية والالتفاف حول القيادة لإحداث تغيير اقتصادي، وقد عكس تلك المساعى الرؤية التي تبناها ناريندرا مودى عقب وصوله إلى سدة الحكم كرئيس مجلس الوزراء الهندى عام 2014 حيث قال "أستهدف تحويل الهند إلى دولة رائدة في مجال تصنيع السلع وفقًا لمقاييس الجودة العالمية وبما ينعكس على توفير ملايين من فرص العمل" معلنا إطلاق مبادرة "صنع في الهند" التي استهدفت تعزيز الإنتاج وجذب الاستثمارات وتنمية التجارة والصناعة والسؤال هنا ماذا حدث بعد مرور عام من إطلاق هذه المبادرة؟
النتيجة كما تعبر عنها لغة الأرقام أن الهند شهدت نموًا في حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 48% أو ما يقدر بـ 40 مليار دولار خلال الفترة من أكتوبر 2014 إلى أكتوبر 2015، حيث تضمنت المبادرة حزمة من الإعفاءات الضريبية والتشريعية الرامية لدحض البيروقراطية، فأصبحت الهند دولة ذات ثقل في تصنيع الأجهزة الإلكترونية وأجهزة الاتصال والأقمار الصناعية والصناعات الدوائية.
لنا في الشأن الهندى أسوة حسنة خاصة فيما يتعلق كيفية مواجهة الزيادة السكانية الرهيبة بحسن إدارتها واستغلالها وتشجيع العمل والإنتاج من خلال المشروعات العملاقة وكذلك الصغيرة والمتوسطة، والاهتمام بالبحث العلمى وتطبيقاته على أرض الواقع ونقل الدراسات من مرحلة التنظير إلى مرحلة التطبيق بما كان له أثره في خلق كيانات اقتصادية لها ثقلها وتستوعب كما كثيفا من العمالة، الهند استطاعت أن تحفر لنفسها اسما وصورة ذهنية جيدة من خلال الاستغلال الجيد لقواها الناعمة.