الأوامر المنسية من القرآن (8)
ونستمر في تأمل الأوامر الإلهية الصريحة في القرآن الكريم التي تناساها البعض رغم أنها تشريع إلهي في المعاملات بين الناس، بينما انصرف هؤلاء إلى الاهتمام بالأوامر الخاصة بالعبادات والشعائر فقط مثل "وأقيموا الصلاة" و"فمن شهد منكم الشهر فليصمه"، حتى إننا نتوقف أمام قوله تعالى "ولا تبخسوا الناس أشياءهم"، وننحاز في فهمها إلى رأي الإمام الشوكاني حيث يراها عامة لا ترتبط بالتجارة ولا بالسلع فقط..
وبالتالي فكما تأمر الآية أن لا نبخس الناس أشياءهم في التجارة كأن نحصل على سلعة بسعر أقل من سعرها الأصلي، ونتصور أن في ذلك شطارة رغم أننا ظلما غيرنا، وقد يكون يبيع شيئا ما كأرض أو منزل أو ذهب لأنه في احتياج إلى المال بشكل عاجل، وهذا يختلف عن "الفصال" في أسعار السلع في الشراء اليومي في محاولة الوصول إلى السعر الأنسب!
لكن باب "بخس" الناس واسع جدا يبدأ ممن يقدمون لنا خدمات مهمة ونقابل ذلك حتى بغير تقديم الشكر وآيات العرفان إلى حارس العقار الذي نسكن فيه، ويقدم لنا خدمات عديدة إلى الموظفين العموميين الذين يؤدون واجباتهم ونستفيد منها.. إلى من يقومون بأعمال منزلية كالكهربائي أو النجار وغيرهم..
صحيح كل هؤلاء يقدمون ذلك بمقابل يحصلون عليه مرتبات ورسوم ومكافآت، لكن فوق ذلك ليس أقل من كلمة طيبة تشيع روح الود بين الناس وكثيرون يعتبرون التقدير المعنوي أهم بكثير جدا من المقابل المادي!
إنما تكون صورة بخس الحقوق في صورتها السلبية بشكل أوضح مع المنافسين والخصوم ممن يقومون بأعمال جيدة ينبغي معها أن ننحي التنافس أو حتى الخصومة ونشهد لهم بما يستحقونه، وبما يليق بضمائرنا من أول الإجادة للفرق الرياضية المنافسة، إلى الرؤساء والمرءوسين والزملاء بالعمل، فإعطائهم حقهم بالتقدير المناسب سواء كانت تقارير مكتوبة أو شهادات شفوية حقهم الذي لا ينبغي الاقتراب منه لأسباب شخصية وخاصة.. فالخلط بين الشخصي والموضوعي يخرج الرأي في أعمالهم من شهادة الحق إلى شهادة الزور ونكون خالفنا الآية الكريمة وبالتالي الأمر الإلهي واجب النفاذ!