من الشعب للحكومة: «إنتى بتشتغلى إيه؟».. رشاد عبده: 81% من الموازنة لا يذهب لعمليات التنمية والقطاعات غارقة في الديون.. محدود الدخل لا يشعر بدور الدولة.. وطارق فهمي: خطط الوزارات غير واضحة ال
في السنوات الأخيرة تحول رمضان إلى موسم سنوي تتسابق فيه الجمعيات والمؤسسات الخيرية لتحصيل أكبر قدر ممكن من التبرعات، ووفقا لإحصائيات غير رسمية يبلغ حجم التبرعات في شهر رمضان نحو 98% من حجم تمويل التبرعات السنوي، جميعها إنفاق ذاتي، أو مجهود شخصي وفردي من المتبرعين إلى الجمعيات دون تدخل حكومي مباشر، فضلا عن وجود نحو 12 ألف جمعية نشطة تنفق نحو 10 مليارات جنيه سنويا على العمل المجتمعي الخيري، ما جعل حجم الإنفاق الخيري السنوي يقارب 52 مليار جنيه، بنسبة تصل لنحو 3% من ودائع البنوك.
تحركات الجمعيات الخيرية تهدف إلى سد الفجوة الناتجة عن غياب الحكومة عن تقديم الخدمات والرعاية لملايين الفقراء في أرجاء المحروسة، الذين تضاعفت معاناتهم بعد تحرير سعر الصرف.
القانون رقم 84 لعام 2002 أخضع الجمعيات الأهلية المنوطة بها تنظيم إيصال المعونات العينية أو المادية للمحتاجين وللجهات المستحقة بمختلف أرجاء الجمهورية، للرقابة المباشرة من قبل وزارة التضامن الاجتماعي ومجلس الوزراء، من خلال الاستعلام عن الجهات المانحة والاطلاع على أية جهة أجنبية تمول إحدى الجمعيات.
وبلغ عدد الجمعيات الأهلية والمؤسسات في مصر في أكتوبر 2017 ــ وفقا للإحصائية الأخيرة التي خرجت بها وزارة التضامن الاجتماعي ــ نحو 48،300 منها 29،043 نشطة والعدد الأكبر منها في القاهرة والجيزة والإسكندرية وهى موجودة ومنتشرة في كل محافظات مصر بما في ذلك المناطق الحدودية، وتتشعب مهام الجمعيات بين إدخال شبكات الصرف الصحي، وتطوير البني التحتية للعديد من المستشفيات ومراكز العلاج والمدارس، فعلى سبيل المثال لا الحصر في مطلع مارس الماضي، وأثناء افتتاح الرئيس السيسي لمدينة العلمين الجديدة، وجه نداءه لعدد من الجمعيات الخيرية المصرية المعترف بها محليا ودوليا، والمنوطة "وحدها" بتقليص معدل الفقر والجهل وانتشار الأمراض، كالأورمان ومصر الخير، بضرورة المشاركة الفاعلة في تطوير وتجهيز المستشفيات، في إشارة واضحة لابتعاد الحكومة، ووزارة الصحة تحديدا عن هذا الدور وكأنه لم يكن!، فكان النداء بمثابة الضوء الأخضر لتلك الجمعيات لتحل محل الدولة وحكومتها في دعم وتطوير المنشآت والخدمات العامة. لتخرج عن إطار المألوف الذي نشأت به في بداية الألفية الحالية، وهو تقديم الدعم العيني للفقراء، من خلال جمع مبالغ مالية من القادرين من الشريحة "المقتدرة" بالدولة، ليتحول الأمر برمته إلى أن تصبح الجمعيات هي "بابا وماما" للشعب!، بالرغم من تصريحات وزيرة التضامن الاجتماعي الدكتورة غادة والي، الدائمة بأن الحكومة استعانت فقط بتلك الجمعيات لتحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، والقضاء على الفقر والجوع والاهتمام بالصحة الجيدة والتعليم، ونمو الاقتصاد والصناعة.
موازنة ضعيفة
بدوره يرى الدكتور رشاد عبده الخبير الاقتصادي، أنه لا يمكن للحكومة توفير كل متطلبات الطبقات الفقيرة، مشيرًا إلى أن المؤسسات المعاونة والبديلة ستظل هي الحل الأمثل والورقة الرابحة بالنسبة لحكومة غارفة في موازنة اقتصادية ضعيفة للغاية، لا تستطيع أن تسد ديونا خارجية، وصلت إلى نحو 40% من الميزانية الجديدة، بواقع نحو 541 مليار جنيه.
الغرق في الديون
«عبده» أشار إلى أن الحكومة أهدرت نحو 81% من الميزانية، في أمور لا تعني الشريحة الأكثر احتياجا في شيء، فمن الطبيعي ألا يشعر الفقير بوجود الحكومة بجانبه، مضيفا: "الحكومة غارقة في الديون وتلهيها أموال الدعم والمرتبات، فموازنة مصر التي يتم بها الإنفاق بها على كل مؤسسات الدولة، وخاصة الجديدة التي ستبدأ في مطلع يوليو، يوجد بها نحو 81% منها لا ينفق على أي من عمليات التنمية أو تطوير البني التحتية للدولة، فهي تعمل بأقل من 19% من ميزانية الدولة، وهذا الرقم لا يصلح لعمل أي شيء، فمنطقي ألا نجد لدينا تعليما أو صحة أو تقليصا لنسبة الشريحة الفقيرة في المجتمع، فمثلا فوائد الديون التي جاءت الحكومة لتسديدها تبلغ نحو 541 مليار جنيه، أي ما يعادل 38% من موازنة مصر، وهناك نحو 40% من الموازنة "طار" في تسديد الديون، وإذا نظرنا إلى المبلغ المخصص للمرتبات الخاصة بموظفي الحكومة سنجدها وصلت في هذه الموازنة إلى 261 مليار جنيه، أي ما يعادل 19% من الموازنة، وهذا أيضا لا يدخل في العملية التنموية بشكل مباشر"، فضلا عن الدعم والمزايا الاجتماعية الذي يخصص له نحو 323 مليار جنيه أي 24% من الموازنة، فإذا جمعنا الثلاثة بنود التي لا تدخل في أي عملية تنمية نجد أنها بلغت81%، وأوضح عبده أن أقل من 19% من موازنة ضعيفة بالأساس لا يمكنها أن تحسن خدمات ومرافق وإسكان وتعليم وصحة وما إلى ذلك، مشيرا إلى أن الحكومة باتت تعول على أموال الجمعيات والمؤسسات الخيرية بشكل كبير خلال السنوات الثلاث الماضية، لأن الجانب الأكبر من ميزانيتها مُهدر في قرارات اقتصادية تتدافع على رءوس المواطن بين الحين والآخر.
وأضاف: "لا أتوقع في ظل هذه الموازنة الضعيفة أن تكون هناك نقلة حقيقية في الأيام المقبلة، لا خدمات ولا تعليم ولا تطوير مرافق عامة أو خاصة، وستظل الطرق المعاونة والبديلة أي المؤسسات الخدمية هي الحل الأمثل بالنسبة لها".
غياب الخطة
وأرجع الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، انحسار دور الحكومة في تطوير البنى التحتية للدولة إلى غياب الإطار الزمني والحاضنة الشعبية للقرارات والتكليفات التي يمليها عليها الرئيس عبد الفتاح السيسي، فلا ملامح الخطة التالية للحكومة ولا الخطة الماضية، كأن الحكومة ــ وفقا لكلام فهمي ــ تعمل في الخفاء، وحتى العلاقة بينها وبين البرلمان غير محددة الملامح، فضلا عن تحويل دور الجمعيات الوسيطة أو الخيرية أو الوطنية من معاون للحكومة إلى فصلها بشكل كلي عن الشعب، بحيث باتت تتصدر المشهد الخدمي، مؤكدا أن الحكومة هي من شكلت هذا المشهد برمته، مضيفا "إحنا لا يمكن أن نشحت على الشعب!".
ارتفاع الأسعار
أما محمد الدامي أمين سر لجنة المحليات بمجلس النواب، فيرى أن الحكومة ينقصها أن "تجس" نبض الشارع والمواطن الفقير، ولا تنتهي مهمتها عند اتخاذ القرارات الاقتصادية التي تُزيد من اتساع الفجوة بينها وبين المواطن، مضيفا: "نحن لا ننكر أن الحكومة في معظم المناطق والمحافظات المختلفة تلبي متطلبات السكان من أدوية ووحدات علاجية في القرى النائية، فضلا عن مساعدات عينية، إلا أن ذلك وحده لا يكفي فما دام هناك نسبة من المواطنين المصريين مصنفة تحت بند "مواطن تحت خط الصفر"، فالخلل إذن ما زال قائما، ولابد أن تكون القرارات الاقتصادية الفترة القادمة في صالح المواطن، في ظل ارتفاع متزايد في أسعار السلع الأساسية والخدمية، ولكن نعود ونقول إن الحكومة لا يمكن أن توفر كل شيء، فعلى المواطن نفسه أن يساهم في الحد من تفشي ظاهرة السوق السوداء، لأن ما تقدمه الحكومة اليوم لا يمكنها أن تقدمه غدا".