رئيس التحرير
عصام كامل

المهرولون الجدد!


عندما قرر الرئيس "السادات" الانقلاب على حزب مصر - حزب الحكومة في نهاية السبعينيات- أنشأ الحزب الوطني الديمقراطي، فهرول قادة حزب مصر إلى الحزب الجديد، تاركين تراثه وتاريخه لصالح حزب السلطة الجديد، وكتب الراحل العظيم "مصطفى أمين" مقالًا بعنوان "المهرولون"، حول فكرة الهرولة وراء المصلحة والتنازل عن المبادئ لصالح الالتحاق بحزب السلطة، وتسبب المقال في أزمة حينها.


يعيد التاريخ نفسه عندما يهرول قادة في أحزاب عتيقة لها تاريخ مثل حزب الوفد؛ ليلتحقوا بحزب مستقبل وطن، وهو الحزب المأمول ليكون بديلًا للظهير الشعبي للحكومة، صحيح هرول فاسدون آخرون من أحزاب أخرى جديدة على الحزب الجديد، كما هرول قادة من أحزاب صغيرة وهي هرولة مفهومة بغرض الاندماج، أما المنتمون إلى أحزاب كبيرة أو أحزاب تاريخية فإن هرولتهم من أجل المصلحة.

الفارق بين هرولة السبعينيات وهرولة الألفية الثالثة ليس كبيرًا جدًا، فضعاف النفوس يبحثون لأنفسهم عن مكان آمن في الحزب الأقوى أو المخطط له ليكون أقوى، وما نخشاه أن يتحول الحزب الجديد إلى لوبى مصالح مثلما كان وضع الحزب الوطني، ودليلي على ذلك أننا لو سألنا بعض المهرولين عن برنامج حزب مستقبل وطن وتفاصيله فإننا لن نحصل على إجابات تدلل على فكرة الانتماء لبرنامج.

الأمر بحاجة إلى عملية فرز من قادة حزب مستقبل وطن إذا أردنا له أن يكون حزبًا قويًا في المشهد السياسي الذي يتغير الآن وعملية الفرز تقتضي من القائمين على الأمر غربلة الأسماء التي هرولت إليه، إذ لا يجب أن ينتمي إلى الحزب الجديد بعض المتهمين في قضايا فساد أو خرجوا من وظائفهم بقضايا مخلة، أو أن تكون لديهم ارتباطات تاريخية بالحزب الوطني الذي تم حله، غير أنه تسلل مرة أخرى إلى المشهد بعناوين جديدة.

صحيح أصيبت الحياة الحزبية في تجربتها التعددية الثالثة بذات الأمراض التي قتلت التجربة الثانية، وصحيح غابت فكرة الانتماء إلى مجموعة المبادئ التي تقوم عليها فكرة الأحزاب، وصحيح دخل إلى الساحة مقامرون ومغامرون وسماسرة إلا أن هذه الظواهر يمكن فهمها في بداية التكوين، أما استمرارها فإنه سيخلق مناخًا سياسيًا فاسدًا لا يقوم على البرامج التي تحتاج إليها مصر في تجربتها الجديدة.

الهرولة في معناها السياسي هي التخلي عن المبدأ والجري نحو المصلحة الخاصة وهنا مربط الفرس.. أخشى على حزب مستقبل وطن من التضخم على حساب المبادئ التي يمكن أن تكون هي ذاتها محور تفكيكه مستقبلًا.
الجريدة الرسمية