المتلونون (٦)
لماذا تضيق بعض الصدور بالنقد رغم أنه جزء أصيل في حياتنا؟! فلا مسار سياسي صحي إلا به، وبدونه لا تكتمل العملية الإبداعية، ومن خلاله تضبط السلوكيات المعوجة لنحيا في مجتمع سليم، ولو لم يكن النقد مهمًا لما كانت أحزاب المعارضة، ولا كانت الأكاديميات التي خصصت معاهد لتدريسه، ولا كانت مراكز الاستشارات، ولا كانت رموز وطنية صارت علامات في التاريخ، ولا كان حرص رئيس الجمهورية على تواجد المعارضين في مؤتمراته..
وفرق كبير بين أن تكون لديك رؤية نقدية تحلل من خلالها ما تراه ليكون لك موقف تتفرد به، وبين أن تكون رقمًا في قطيع فضل أن يكون متلقيًا، لأنه لا يمتلك رؤية سليمة، أو يمتلكها لكنه جبن عن طرحها، والشخص الجبان هو العاجز عن المواجهة، فقط.. يعمل في الظل، وتقترب أعماله من المؤامرات، وإذا واجه علا صوته، لا من منطلق الشجاعة، ولكن من شدة الخوف، وكثير من الكلاب ينبحون خوفًا، لا شجاعة.
في السنوات الأخيرة شهدت الساحة أرقامًا كثيرة تسير في ذلك القطيع، لا يمتلكون وجهة نظر نقدية تشكل إضافة، وإذا امتلكواا أثنتهم مصالحهم الشخصية عن المواجهة، يصفقون لنظام ويفاخرون بأنهم الأقرب إليه، وينهالون عليه بخناجرهم إذا تهاوى، ثم يعيدون نفس السيناريو مع النظام الذي يليه، فعلوا ذلك مع مبارك، ثم مع المجلس العسكري، ثم مع جماعة الإخوان، وأصبحوا فرجتنا، وبالتأكيد فرجة النظام الحالي الذي لم يكن يومًا بعيدًا عن ألاعيبهم.
اجتهدنا على مدار الأسابيع الخمسة الماضية في التصدي لمسيرة هؤلاء النفر، من خلال عرض مواقفهم مع الأنظمة الثلاثة الأخيرة، تصديًا كنا نميل فيه إلى السرد تارة، وإلى النقد تارة أخرى، ربما نضبط سلوكًا، أو نلفت النظر أن النظام الحالي لن يبلع طعم النفاق والتطبيل الذي ابتلعه سابقوه، وأن المواطن البسيط لم يعد يصدقهم، وأن ضرر تطبيلهم للرئيس أكثر من نفعه، فمن غير المنطقي أن تزول قناعتك بنظام بمجرد زواله.
عجز المتلونون عن مواجهتنا أو الرد علينا، وضاقت صدورهم بما رصدنا، وبدءوا يحيكون المؤامرات ضدنا كما توقعنا، ونسوا أن أفعالهم المشينة لن تثنينا كما سبق وأكدنا.
إنها مصالحهم الشخصية التي أنستهم أنفسهم، فأبى الشعب أن ينسى جرائمهم، حاولوا اختراق حسابي على فيس بوك، وأنشأوا صفحات لمجهولين للتطاول على شخصي، وجهوا لي تهما كانت ميراثهم الذي يطاردهم، وتهديدات أضحكتني هزليتها، وأوجعتني ضحالة الفكر الذي صيغت به، وجعي على حال من وضعوا أنفسهم في صفوف النخبة، وهم من أسسوا لقطيع المتلونين، ما زالوا يفكرون بنفس المنطق في غرفة مظلمة، لا تضاء سوى لمبتها الحمراء من الخارج..
تباهوا وتفاخروا بعملهم مع جماعة الإخوان، واليوم جعلوا من تذكيرهم بمفخرتهم اتهاما لهم، وبدلًا من مواجهتنا التي جبنوا عنها.. اختلقوا معارك صبيانية معنا، فأهلًا بمعاركهم، وتبًا لضحالة فكرهم.
Basher_hassan@hotmail.com