رئيس التحرير
عصام كامل

ما هذا البذخ.. وما هذا التناقض؟


فما أراد الله تجويعنا في صيامنا في شهر رمضان إلا لنتعرف قيمة ما نرمي به في سلال القمامة من الطعام الفائض عن حاجتنا دون أن ننظر لمن هم في أمس الحاجة إليه ممن يتضورون أو حتى يموتون جوعًا في شتى أنحاء العالم، منهم فقراء المسلمين.


لا شك أن الحرمان من الطعام في رمضان يقرب إلى الأذهان مدى ما يعانيه الفقراء طوال العام فندنو إليهم دون أن نتعالى عليهم أو نضيق بهم ذرعًا بل نمد لهم يد العطاء دون منٍّ ولا أذى.

وللأسف فإن البذخ والمباهاة قد وصلت لموائد الرحمن التي انتشرت بصورة كبيرة في أيامنا هذه، ما يعني أن هناك كثيرًا من المصريين يفطرون في الشوارع وتلك ظاهرة جديرة بالبحث والدراسة، إذ تعددت الأسباب والفقر واحد، وإذا كان إطعام الطعام أمرًا مستحبًا ومندوبًا إليه فإن البذخ مرفوض، فإطعام الصائم قد يكون بشربة ماء أو تمرة أو ما يسد جوعه على أكثر تقدير.

فحاجتنا إلى بناء مستشفيات ومدارس أو حتى مصانع أشد من حاجتنا لإهدار الأموال على موائد رمضانية أو تكرار الحج والعمرة كما أفتت طائفة من علمائنا، ومن يتصور أن مثل تلك الفضائل تكفر ذنوبًا دأب البعض على ارتكابها طول العام ولا يزال مقيمًا عليها، فهو واهم.

وليت هؤلاء يقلعون عن ذنوبهم أولاً، ثم يوجهون فوائض أموالهم لسبل أكثر نفعًا لأمتهم ومجتمعهم، فالشرع يدور مع المصلحة ومصلحة الفقراء أن يجدوا تعليمًا يرقى بحياتهم ومستشفى تعالج أوجاعهم أو فرصة عمل منتج تغنيهم عن ذل السؤال.

وحين ننظر فيما أراده الله لنا من شهر الصيام وما نفعله نحن بأنفسنا نجد بينهما بينًا شاسعًا يحتاج إلى دق نواقيس التنبيه حتى لا نبقى على غفلتنا، ظانين أننا نحسن صنعًا بينما نحن والعياذ بالله من الأخسرين أعمالاً، فهل يستقيم صيام أحدنا بينما هو مصر على الإتيان بأفعال الغيبة والنميمة أو يكن في صدره حسدًا وغلاًّ وحقدًا للآخرين، هل يكف الموظفون عن تلقي رشاوى يرونها إكراميات وحقًّا مكتسبًا حتى يقضوا حوائج الناس.

هل يعي الموظف أن تبسمه في وجه الجمهور صدقة، هل يعلم كبارنا وأغنياؤنا ومسئولونا أن الرحمة بالصغار والفقراء والمواطنين فرضًا، وهل يعلم صغارنا أن توقير الكبار فريضة، هل وصلنا الأرحام وخففنا آلام المنكوبين والغارمين وذوي الاحتياجات الخاصة، هل يؤدي رجال الأعمال والميسورون واجبهم تجاه المحتاجين أم يبخلون ويستكبرون على عباد الله؟
الجريدة الرسمية